قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الحج الرسالي و العروج في آفاق المعنى
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة بقلم: أ/غريبي مراد(*)
كان موسم الحج هذا العام، ذا خصوصية فريدة من حيث الحال و الصورة و التطلّع، فالواقع الإسلامي يرنو لبوادر الخلاص و الوحدة والاستقرار السياسي و الاجتماعي و الأمن الاقتصادي، فكل مسلم واع بدوره في هذه الحياة في الزمن الراهن يدرك أتم الإدراك ماهية وأولوية الحج هذا العام، ليس فقط من باب مقاصد هذا الركن الإسلامي الأساس و الاستراتيجي إداريا و حركيا، على البعدين: المحلي الإسلامي و الخارجي العالمي.
ويُعد الحج رسالة عظيمة المعنى و المبنى، تتفاوت أبعادها من خلفية إلى أخرى، فمن يقرأ الحج تاريخيا، يكون له نصيب من الوعي لقيمه وقيم الحج، و ذلك الذي يستطلع الحج كرسالة في إنسانيته يكتشف عظمة الإسلام و رمزيته الحضارية المتجددة عبر الزمن كله إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، بينما من يقرأ الحج رياضة روحية موسمية تتوقف مع نهاية المناسك فنصيبه بسيط .
هناك إختلاف في المعنى لا يمكننا الالتفات له في نظرتنا لآفاق العبادة، لكن المشترك هو النية النابعة من ذلك المستوى من الوعي للرسالة، وأسمى معنى ذلك الذي حركه الأنبياء في دعواتهم وجسده و رسمه النبي الأكرم (ص) في حركته الرسالية و وصاياه و مواقفه و إشاراته الحضارية المكنونة في أرض الحج و سمائها العميقة بالأثر والآثار، و يبقى للمعنى في مناسك الحج منافع و آفاق لا تنال إلا حسب المعرفة التي تصبغ شخصية الحاج بالرسالية وهذا المنتج المعرفي الحضاري عبر عنه العلامة المرجع الكبير السيد محمد تقي المدرسي (دام عزّه) في كتابه (الحج ضيافة الله) بالقول:
(وللحج منافع جمة يستفيد منها الحجاج وغيرهم من الذين لم تتح لهم فرصة الحج. ومن المعلوم أن المنفعة لا يمكن الاستفادة منها دون معرفتها، فاذا لم نعرفها فان الفرصة ستفوتنا، وخصوصاً هذه الفرص الكبرى التي هي أرصدة الله تعالى لنا، والتي لابد أن نبدلها من حالة القوة والإمكان والاحتمال إلى حالة الفعل والواقعية والتحقق .
وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذه المنافع في الآية الكريمة: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الاَنْعَامِ" (الحج/28).
وهذه المنافع مشتركة بين الحجاج وبين المسلمين الآخرين في الأقطار كافة ممن لم يوفقوا لأداء هذه الفريضة الإلهية.
ومن المعلوم أن رصيد المسلمين كبير من شعائر الدين، إلا أن استفادتهم منها قليلة. وعلى سبيل المثال فان الصلاة، هذه الشعيرة الإلهية المثلى التي هي أفضل أعمال أمة النبي محمد صلى الله عليه وآله، تحمل في طياتها إمكانيات لا تعد ولا تحصى. فهي باستطاعتها أن تحمل البشرية إلى حيث السعادة في الدنيا، والفلاح في الآخرة. فهي معراج الإنسان إلى الله عز وجل، وقربان كل تقي يتقرب بها إلى الباري، ومع ذلك فان انتفاعنا من هذه الصلاة ضئيل. وما هي إلاّ عادة ورثناها من آبائنا السابقين، ونحن بدورنا نوصلها إلى الأجيال اللاحقة دون أن نستفيد من حكمها وفوائدها. وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر العبادات الإسلامية).
ولكل الحجاج نقول حج مبرور و سعي مشكور و ذنب مغفور،. و الله المستعان للتوفيق و نيل منافع الحج في علاقات المسلمين مع بعض و في تطلعهم للإمكان الحضاري .
(*) كاتب و باحث إسلامي