البحث عن (الامامة) قريباً من المصادر الالهية
|
*طاهر القزويني
مصطلح (الامام)، ليس حديثاً على المسلمين، في التاريخ المعاصر، إنما يعود الى العهود الاسلامية الأولى، فهو يرمز للقيادة في المجتمع، وكان نبي الله ابراهيم (عليه السلام) أول من حُظي بهذه المكانة من قبل الله تعالى بصريح الآية الكريمة: "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة /124)، لكن الى جانب المسيرة الرسالة التي مضى عليها الرسول الأكرم وأهل بيته، ظهرت المذاهب والطوائف، وأيضاً الأئمة في ظل ظروف سياسية واجتماعية مختلفة، لكن كان الطابع العقائدي هو الطاغي عليها، بينما في الوقت الحاضر اكتسب هذا المصطلح بعداً سياسياً، فـ (الامام) بمعنى شخص يقود مجموعة من الافراد نحو سدة الحكم بدوافع واعذار عديدة أبرزها تطبيق الشريعة ودحض الظلم والباطل وغير ذلك من الشعارات.
فمن نصب نفسه اليوم اماماً للمسلمين سُئل هل جعلك الله اماماً للناس ؟ يقول ومالدليل على تنصيب الله للامام؟ نقول له: ان القرآن كله دليل على ان الامامة لاتكون الا بالنصب والجعل من الله ونحن سنأتي بدلائلنا ونطلب منكم انتم أن تأتوا بدلائلكم على ان النصب ليس من الله. فأما دلائلنا من القرآن الكريم فهي كثيرة ومن بينها الاية الكريمة آنفة الذكر من سورة البقرة.
ما اعظم هذا الكلام وما اوضحه وما اسوأ حال من يدعي الامامة فهذه الآية تفضح كل مدعٍ وكل مزور وكل مبتدع للقول بالامامة، فهده الآية تكشف أن ابراهيم عليه السلام لم ينل درجة الامامة الا بعد جهد جهيد وابتلاءات عظيمة وامتحانات كبرى دخل فيها ولم يفشل في واحدة منها وبعد كل العذابات والآلام والاختبارات التي دخلها حصل على مرتبة الامامة.
من هنا يسأل الله اولئك الذين نصبوا انفسهم ائمة للمسلمين ماهي الاختبارات التي دخلتم فيها وماهي الابتلاءات التي لاقيتموها وهل كانت امامتهم نتيجة تلك الاختبارات ؟! وهل كانت بمستوى اختبارات وامتحانات ابراهيم الخليل عليه السلام؟
تعالوا لنقرأ هذه الرواية عن الامام الصادق عليه السلام: عن زيد الشحام قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : ان الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا، وان الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، وان الله اتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا، وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله اماما، فلما جمع له الاشياء "قال انى جاعلك للناس اماما" قال : فمن عظمها في عين ابراهيم "قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين" قال : لايكون السفيه امام التقى. (تفسير نور الثقلين) ج1 ص136
ومرة ثانية نسأل ادعياء الامامة هل عبرتم هذه المراحل المذكورة في القرآن حتى نلتم الامامة ؟ هل عبرتم مرحلة النبوة؟ هل عبرتم مرحلة الرسالة ؟ هل عبرتم المراحل الاخرى لكي تمنحوا انفسكم هذا اللقب؟
الامامة والعصمة
وربما يتساءل البعض ويقول لماذا كل هدا التهويل من كلمة واحدة هي (الامامة)؟
نقول ان هذه الكلمة مقدسة وعظيمة وربما لانعرف قيمتها لذلك نحن نطلقها على من يستحقها، وهنا لابد من اعادة التثقيف والتوعية بأهمية هذه الكلمة العظيمة، ومن المؤسف ان لايعرف حتى الشيعة قيمة هذه الكلمة التي كانت مدار اختلاف المسلمين منذ النشأة الاولى للاسلام.
ونعود الى الآية الكريمة مرة اخرى ونحاول ان نثبت من خلالها ان الامام لابد وان يكون معصوماً فالآية تقول: "قال لا ينال عهدي الظالمين" فقد تساءل ابراهيم عليه السلام انه هل ستكون الامامة من ذريته فجاءه الجواب من السماء: "لا ينال عهدي الظالمين" والظالم هو المذنب واعلى درجاته هو الشرك فهو اكبر الاثم، ومن هنا يقول حتى بعض علماء السنة بعدم جواز اتباع الامير الفاسق استناداً لهذه الآية الشريفة وقد ورد في تفسير الزمخشري: (لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة، وإنما ينال من كان عادلاً بريئاً من الظلم وقالوا : في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة). وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته. ولا تجب طاعته؛ ولا يقبل خبره، ولا يقدّم للصلاة. وكان أبو حنيفة يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن عليّ رضوان الله عليهما، وحمل المال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي بالإمام والخليفة، كالدوانيقي وأشباهه. وقالت له امرأة: أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل. فقال : ليتني مكان ابنك. وكان يقول في المنصور وأشياعه : لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عدّ آجره لما فعلت. وعن ابن عيينة : لا يكون الظالم إماماً قط. وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة، والإمام إنما هو لكف الظلمة.
وعندما نقرأ هذا النص نستغرب بعض احاديث وعاظ السلاطين الذين يبررون كل شيء للحاكم بما في ذلك اخطاءه وفظائعه!
لكن للأسف وعلى الرغم من التعداد الهائل لكتب التفسير الا انه لن نقرأ تفسيراً واضحاً لاهمية كلمة في الآية المذكورة وهي "اني جاعلك" فهذ الكلمة هي جوهر موضوع الامامة لانها تقع في مركز نظرية الامامة ليس لان الشيعة تقول بالنص بل لان الجعل والتنصيب الالهي هو الذي ينسجم مع كافة العناصر الاخرى المكونة للامامة او حتى المكونة للآية.
فالجعل الالهي والتنصيب السماوي حدث بالنسبة الى ابراهيم عليه السلام بعد ان جرب هذا الرجل العظيم كل تلك الاختبارات والابتلاءات التي واجهها، وانه لم يستحق منصب الامامة الا بعد تخطي تلك الاختبارات، وانه لايستحق هذا المنصب الرباني الا المعصوم الذي لم يظلم نفسه باثم ولم يظلم غيره.. وانا هنا اسال الذين جعلوا من انفسهم ائمة للمسلمين، ألم يرتكبوا اثماً واحداً في حياتهم؟!
لا احد من المسلمين ماعدا اهل بيت النبوة ادعى انه لم يرتكب اثماً في حياته بل سمعنا من الصحابة من يقول: "ان اخطأت فقوموني".
لماذا "لاينال عهدي الظالمين"؟
لان الامام هو القدوة بحسب كافة العلماء سنة وشيعة فاذا اخطأ الامام اتبعه الناس خطأً واصبح خطأه ديناً للناس يقتدون به ويسيرون على نهجه ويظنون انهم يتبعون الدين بينما يتبعون سنة انسان خاطئ.
بينما الامام المعصوم والمنصوب من الله هو لايجتهد بل قوله هو النص الشرعي ومن هذا الباب كانت العترة تمثل الوجه الآخر للقرآن وفي آخر المطاف نقول ان هناك آيات اخرى تذكر الجعل الالهي لمنصب الامامة ومنها هذه الآية: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"" (البقرة /30).
وهنا نطلب من الذين يقولون بان الامامة ليست بالجعل او بالتنصيب الالهي ان ياتوا بآية واحدة تؤكد مايذهبون اليه؟
|
|