نظرة الى المنقذ (عجل الله فرجه) عبر دعاء الافتتاح
|
*اعداد / كريم الموسوي
(اَللَّهْمَّ وَصَلِّ عَلى وَليّ امرِكَ القائِم المُؤَمَل، والعَدلِ المُمنتظَر، وحُفّهُ بملائكَتِك المُقَربين، واَيّدهُ بِرُوح القدُسِ يا ربَ اْلعالمينَ.. اَللَّهْمَّ اجْعَلْهُ الداعِيَ إلى كتابِك، والقائَمِ بديِنِك، اِسْتَخْلفهُ في الارض كما استَخْلَفْتَ الذينَ مِن قَبله، مَكِّن له دينه الذي ارتضْيتَه له، اَبْدِلهً من بَعدِ خوفه اَمناً، يَعْبُدُكَ لا يُشْرِكُ بكَ شيئاً.. اللهم اَعِزَّه واَعْزِز به، وانصُرْهُ وانتَصِر به، واْنُصرهُ نَصْراً عَزِيزاً، واَفْتَح له فتحاً يسيراً، واجعل له من لَدُنْكَ سُلطاناً نصيراً، اللهم اظهر به دينكَ وَسُنةَ نَبِيك، حتى لا يَسْتَخفِيَ بِشَيء من الحقِ، مَخافَةَ اَحَدٍ منَ الخَلْق. اللهمُ اِنا نَرْغَبُ اليكَ في دولةٍ كريمةٍ تُعِزُّ بها الاسلامَ واَهلَه، وتُذِلً بِها النِفاقَ واَهله، وتَجْعَلُنا فيها من الدُعاةِ إلى طاعَتِك، والقادَةِ إلى سَبيِلِك، وترزُقُنا بها كرامةَ الدنيا والاخرة. اللهم ما عَرَفتنا من الحق فَحَّملناه، وما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلّغْنَاهُ..).
من هذا المقطع من دعاء الافتتاح الذي نتوسل من خلاله بامامنا الغائب الحجة المنتظر (عجل الله فرجه)، نسأل: ما هو دور الامام الحجة في طقوسنا العبادية خلال شهر رمضان المبارك؟
ان يكون للانسان قائد الهي يرتبط به قلبياً ونفسياً وعقلياً وخطياً، ان ذلك ليعتبر وسيلة لتكامل الانسان كفرد أو كمجتمع، وتوجهه المستمر نحو النموذج السماوي المرسوم والمعين له، وهذا بعض من فلسفة ايماننا نحن بالامام المهدي (صلوات الله عليه) الذي نؤمن به اماماً شاهداً علينا وقريباً منا، ومطلعاً ورقيباً على اعمالنا، ويتجلى هذا الايمان في ليلة القدر حيث تتنزل الملائكة والروح بمقادير العباد. وفي هذه الليلة المباركة تنزل الملائكة بتقديرات حكيمة: "فيها يفرق كل امر حكيم" (سورة الدخان /4)
ان كل التطورات التي يجب ان تحدث خلال العام الواحد تُقدر من قبل الله تعالى في ليلة القدر، فصحة الانسان ومرضه وفقره وغناه، وكرامته بين الناس أو ذلته، وكذلك تقدم الامة وتخلفها، حضارتها أو جاهليتها.. كل هذه المقادير ترسم وتحدد في ليلة القدر:
ولكن السؤال هو: على مَن تتنزل الملائكة بمقادير الحياة والعباد؟
في الجواب نقول: ان من تكريم الله لبني آدم هو ان جعل من انفسهم حججاً لله على الخلق تتنزل عليهم الملائكة، ففي كل عصور التاريخ ومنذ آدم حتى هذا اليوم فان الملائكة تنزل في ليلة القدر على (بشر)، ففي عهد ادم كانت تنزل على آدم، ثم بعده على شيث، وبعده على ادريس، وبعده على ابراهيم، وموسى، وعيسى، والنبي محمد (ص) ثم بعد الرسول على اوصيائه الائمة المعصومين الواحد بعد الاخر، اما الان فانها تتنزل على الامام المهدي المنتظر، لانه حجة الله على عباده، والدعاء حينما يصلي على الامام الحجة، انما لكي يعمق العلاقة بين المؤمنين وبين حجة الله.
الاهداف الحقيقية للانسان:
لكل انسان في هذه الدنيا اهداف يبذل من اجل تحقيقها مساعيه الجادة، وهدف الانسان ـ سواء كان شريفاً ام وضيعاً، سليماً ام سقيماً ـ هو الذي يحدد مسار حياته ومساعيه التي يبذلها، ولكن مشكلة الانسان انه لا يعرف بالضبط ما هو الهدف السليم الذي ينبغي السعي اليه، أو بتعبير افضل، ان مشكلة الانسان، إنه ليس هو الذي يحدد هدفه في الحياة! إنما الاخرون هم الذين يملون عليها اهدافاً ليست من اهدافه الحقيقية، وانه بعد فترة ليست بالقصيرة يكتشف زيف تلك الاهداف، وان كل مساعيه وحركاته انما كانت باتجاه نقطة خاطئة، وبذلك فهو لم يخدم نفسه انما خدم الاخرين أو خدم الشيطان: "قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالاً* الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً" (سورة الكهف /130 ـ 104)
والادعية المأثورة تحاول ـ من خلال معانيها الحميدة ـ تصحيح هدف الانسان ومسيرته في الحياة، وذلك عبر ترسيخ القناعات التالية في الإنسان:
أولاً: إن عليك ان تحدد لنفسك هدفك.
ثانياً: أن تكون انت الذي ترسم هذا الهدف لنفسك وليس الاخرون هم الذين يملونه عليك.
ثالثاً: إن هذا الهدف يجب أن يكون هدفاً عالياً وليس دانياً.
رابعاً: أن يكون هدفاً مشتركاً بينك وبين الاخرين ولا يكون هدفاً ذاتياً، فبدل ان ترهق نفسك لكي تصبح سلطاناً، الافضل ان تعمل انت والمجموعة التي تعرفها، انت والمجتمع الذي تعيش فيه، تعملون معاً من اجل سلطان عادل، فحينما يكون هناك سلطان عادل، فان خيره سوف يكون عميماً، وبدل ان تسعى من اجل اكتساب الثروة التي قد تأتي عن طريق تخلف الامة وانتشار الفقر، وترسيخ تبعية الامة للاجنبي، بدل ذلك اسعوا جميعاً في بناء حضارة ينعم الجميع بخيراتها، اعملوا من اجل ان تكون بلادكم بلاداً متقدمة صناعية لكي يستفيد الكل منها، وبدل ان تعمل من اجل ان تعيش انت وحدك في حياة مرفهة، حاول ان تنشر الاخلاق الفاضلة في المجتمع، فاذا انتشرت الاخلاق الفاضلة فان الجميع سوف يعيشون حالة جيدة، في اطمئنان وسكينة.
اذن، فان من اهداف الدعاء هو تصحيح مسار الإنسان واهدافه العظمى، وحينما يرسم الانسان لنفسه تلك الاهداف العظمى فانه ينسجم مع الاخرين، اولاً، ثم انه يبذل قصارى جهده من اجل تحقيق تلك الاهداف.
الدعاء للامام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه)
باستطاعة الواحد منا ان يعمل من اجل قرب فرج الامام الحجة (ع)، وذلك عبر الدعاء بروح الامل، وليس بروح اليأس والقنوط. الدعاء يتضمن في نفس الوقت نوعاً من التطلع، أي ان على الانسان ان يجعل في برامج حياته: العمل المستمر من اجل الوصول إلى هذا الهدف، من اجل تهيئة الوسائل وتمهيد الطرق لظهور الامام الحجة بن الحسن العسكري (عجل الله تعالى فرجه). فالدعاء في الحقيقة هو تعبير عن برنامج تطلعات المؤمن واهدافه. وحينما يدعو الانسان لامامه المنتظر، فانه بذلك يؤدي جزءاً من حقه عليه. كما يؤدي ذلك إلى ترسيخ علاقة الاقتداء والتبعية بالامام. (اللهم اجعله الداعي إلى كتابك والقائمَ بدينك، اِستَخْلِفهُ في الارض كما اسْتَخْلَفت الذين من قبله، مكن لَه دينه الذي ارتضَيْتَه له).
هذا الدين هو دين الإسلام ولكنه الإسلام الكامل، الإسلام غير المشوه وغير المزيف، والذي يعمل الامام الحجة على نشره في ارجاء الارض، وتمكينه من قلوب البشرية. (اَبْدِلهُ مِن بَعدِ خوفِه اَمناً، يَعْبُدُك لا يُشرِك بكَ شيئاً)، فالامام الحجة هو في حالة خوف ووجل على مصير هذا الدين. وهو يترقب لمئات السنين لحظة الظهور التي يأذن بها الله تعالى، فهو يعيش حالة التشرد والهجرة الدائمة بانتظار اللحظة الموعودة، وكذلك الإنسان المؤمن يجب ان يتحمل الصعاب والمشاكل ريثما يحقق اهدافه وتطلعاته. (اللهم اعزه واعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل له من لدنك سلطاناً نصيراً)، فنحن نطلب من الله ان يجعل لنا سلطاناً ويجعل لنا قوة، ولكن ليس قوة ذاتية، وإنما قوة الهية، بعيدة عن الشهوات والاهواء وتراكمات السلبيات في المجتمع، وهكذا نطلب من الله في هذا الدعاء ان يجعل للامام الحجة سلطاناً نصيراً.
*من كتاب : (تأملات في دعاء الافتتاح) لسماحة المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي.
|
|