عيد الفطر السعيد .. يوم استلام جوائز التائبين
|
إعداد / بشير عباس
"يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سِيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيِهمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (التحريم/8).
مع أنصرام أيام وليالي شهر رمضان المبارك، و حلول عيد الفطر السعيد، يجدر بنا ان نستعد لتحول جديد، فبعد شهر من جهاد النفس وكبح جماح الشهوات والرغبات، يترجل المؤمنون الى واحة هذا العيد السعيد، لكن كلٌ بما يحمل من امتيازات وعلامات ايجابية اكتسبها خلال الشهر الكريم وعندما كان عند المائدة الرحمانية، وأهم تلكم الامتيازات تتعلق بالاستغفار والتوبة النصوح وفتح صفحة جديدة للعام القادم، لذا يمكن القول ان عيد الفطر السعيد هو محطة لاستلام الجوائز من رب العزة والجلال الغفور الرحيم، وقد جاء في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في أواخر شهر رمضان المبارك: (... عباد الله...! ان ادنى ما للصائمين والصائمات ان يناديهم ملك في آخر شهر رمضان: أبشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون).
وحينما نسمي يوماً من الأيام يوم عيد، فإنما نعني بذلك ونخصصه بإعتباره يوما لاستئناف الحياة وإعادة الحركة من جديد، بناء على ما تمت الإستفادة مما سبقه من أيام، كعيد الفطر الذي إنتهت عنده أيام الصيام والقيام والدعاء والمناجاة والإحساس بجوع الفقير وبذل المساعدة له. كما نقصد به طي صفحة الماضي بسلبياته، وأن المستقبل لوحدة هو الذي بقي لنا.
ففي يوم عيد الفطر حري بنا أن نفتح صفحة جديدة طاهرة لعلاقتنا بالله وبأنفسنا وبالمجتمع وبجميع المسؤوليات الملقاة على عواتقنا. فحينما نعلم أن الله تعالى غفر لنا ذنوبنا، علينا بذل المزيد من الجهد لإستئناف الحياة من جديد.
ببالغ الأسف أقول: ان كثيراً من الناس يتوبون يوماً ويذنبون أياماً.. وهكذا تراهم بين توبة وذنب، فلا يدرون كيف ستنتهي حياتهم، أو على الأقل لم يصمموا على ماذا ستكون نهايتهم في الدنيا، غافلين عن الحقيقة الدينية القائلة بأن مصير كل إنسان في الآخرة منغلق باللحظة الأخيرة من حياته في الدنيا، فإن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، والعياذ بالله.
إن التوبة النصوح هي العزم على الإستمرار في التوبة حتى النهاية، وهي التوبة التي أمر الله تعالى الإنسان المؤمن بها، وهي التي من الممكن أن يمحو الله بها الذنوب والسيئات، كما صرحت به الآيات المتقدمة الذكر. فالتوبة النصوح تمحو الماضي المقيت، وتسمح للمؤمنين في يوم القيامة بحمل صفحاتهم بيضاء دون تلوث.
والتوبة النصوح نور يسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه، لينقذهم من ظلمات يوم القيامة التي ستعم الجميع بإستثنائهم. وذلك النور كانوا قد ادخروه عبر أعمالهم الصالحة وعبر عزائمهم الراسخة، بالتوجه إلى الله وحده لا شريك له، وعبر ما خاضوه من حياة طاهرة مطهرة متطورة في جادة الصلاح والإصلاح..
يوم العودة إلى الله
إن يوم عيد الفطر، هو يوم البداية الجديدة، لضيافة ربانية جديدة، ضيافة الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وفي مثل هذا اليوم نجدد العزم على تكريس مكاسبنا من شهر رمضان الكريم.
الآن وقد أصبحنا مطهرين من الذنوب - إن شاء الله تعالى- نشعر بالخفة والنشاط والحيوية، كما نحس بأننا أقرب إلى الله سبحانه مما مضى.
إذن؛ لنفكر في كيفية ترسيخ هذه الروح الإيمانية في أعماق أنفسنا، ونبعد عنا ما تلوثنا به قبل دخول شهر رمضان علينا، وتطهرنا به خلاله.
تُرى كيف نستطيع أن نتوجه هذا التوجه؟ إليك بعض التوصيات في هذا المجال:
أولاً: التضامن والإتحاد مع تجمع المؤمنين، والإبتعاد عن تجمع السوء والاعمال المحرمة لاسيما في مجال المال والاسواق، وان كان ذلك يكلف الخسارة المادية في بعض الأحيان، فالله هو الرزاق الوهاب الذي يعيد عليك الفائدة من طريق آخر.
ثم لتعمل من جانب آخر على أن تحمل أولادك وإخوانك وأصدقاءك على المحافظة على الروح الإيجابية والإيمانية. فما من مجلس تجلسه إلا وحول طبيعته إلى طبيعة الإيمان والكلمة الطيبة والعلم والتطور.
ثانياً: محاولة الإستمرار على العادات الطيبة التي تركها فينا شهر رمضان الكريم، كالدعاء وتلاوة القرآن وحضور مجالس العلم والوعظ والارشاد في المساجد والحسينيات، وأداء صلاة الجماعة والجمعة.
ثالثاً: محاولة تحويل أيام السنة جميعاً إلى أيام رمضانية أو شبه رمضانية؛ بمعنى سحب روحية شهر رمضان المعنوية إلى دورة السنة برمتها.
ثم هناك بعض التوصيات الأساسية التي تأتي في السياق نفسه، كالإحسان إلى الناس؛ الإحسان الذي قد لا يأخذ بالضرورة الصبغة المالية، بل قد يكون بمختلف أشكال الخير. فنحن بحاجة ماسة أن نمد يد العون إلى إخواننا المستضعفين والمحرومين، وأن نبدأ ببناء المشاريع والمؤسسات الدينية والخيرية والإنسانية العامة، المؤسسات التي تنتهي بنا إلى القرب من الله تعالى.
العودة إلى الفطرة
ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن أمن الوعيد.
خلق الله الإنسان سويا بفطرته، وخلقه في أحسن تقويم، غير أن عوامل الانحراف الذاتية والخارجية هي التي تبعده عن الصراط المستقيم. وعند ذاك يكون الإنسان بحاجة ماسة إلى التوبة والعودة إلى فطرته التي فطر عليها، وإلى نقائه واستقامته، فيبدأ حياته من جديد، فيتحول ذلك اليوم بالنسبة إليه يوم عيد وفرح.
ففي شهر رمضان ولياليه المباركات، حيث يتوب القائم بشعيرة الصيام والعبادة توبة نصوحاً، ويستجيب لنداء ربه، فإن الله يطهره ويمحو سيئاته ويدخله في حياة جديدة، فتراه في آخر شهر رمضان المبارك وأول شهر شوال قد إستعاد حيوته ونقاءه وطهر.
ان مثل يوم عيد الفطر كمثل عيد يوم الجمعة أو عيد عرفة. إذ يفرح المؤمنون بما غفر لهم ربهم بعد عودتهم لرحابه، حيث إنهم قاموا وصاموا وصلوا ورتلوا القرآن أكثر من غيرها من الليالي. واذ يفرحون أيضا بما تاب عليهم ربهم بعد أدائهم لمناسك الحج وإعلان رغبتهم وتصميمهم على العودة إلى الله، فهم يعيشون بعد عرفة العيد والبهجة والسرور..
وإذا كان العيد يعني العودة إلى الله، فإنه يستدعي ضرورة برمجة الحياة والمستقبل، بوصفهما أمرين جديدين بعيدين عن الانحراف والفساد وما تم الابتعاد عنه. وفي ذلك اليوم فقط يكون جديراً بالإنسان الاحتفال بالعيد، حيث يكون قد هيأ لنفسه عوامل تكريس الطهر فيها.
طريق السعادة
كيف نستطيع ان نجعل أيامنا كلها عيداً وبركة ورحمة وبشرى وفرحاً
قبل كل شيء لابد أن نعرف إن الحياة مثلها مثل الجدار، يعيد الكرة كلما ألقيت عليه وبنفس القوة والانفعال.. والذين يحيطون بنا من أهلينا أو من نعاشرهم في حياتنا، إذا ما ألقينا إليهم بالمودة والمحبة والبشر والرحمة والإحسان، أعادوا كل ذلك علينا بما يماثله، وربما ما يزيد عليه، فعند ذلك تصبح حياتنا كلها خير وبركة. وأما الذين ننبذ إليهم الأفكار السيئة والعصبيات وسوء الظن والكلمات النابية والغدر والتعدي، فإننا يجب أن نتوقع منهم رد الفعل المشابه لفعلنا.
ومن صفات الذين يبحثون عن الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة؛ أنهم يصبرون على تقلبات الحياة، ولا يستخفهم العاجل منها، وهم يقيمون الصلاة؛ بمعنى انعكاس أقوالها وحركاتها على حياتهم، سواء على صعيد النظرية أم التطبيق، وهم أيضا ينفقون في سبيل الله لفرط محبتهم للآخرين، ولاسيما المحتاجين منهم. ثم إنهم يدرؤون بالحسنة السيئة، فإذا صادفتهم سيئة من أحد الأشخاص منعوا انتشارها وتأثيرها بحسناتهم، وبذلك يملؤون حياة الآخرين بالمحبة والخير، فهم يعيشون حياة طيبة. "اُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ"، حيث تستقبلهم ملائكة الرحمن على مشارف الجنة لتقول لهم: ادخلوا الجنة من أي باب تشاؤون. فهم يسلمون من كل هوان، كما سلم الآخرون منهم في الحياة الدنيا وارتاحوا إليهم.
إن المحبة والرحمة والعطاء والإيثار ودفع السيئة بالحسنة، هي العوامل التي من شأنها تحويل أيام الإنسان إلى أعياد متواصلة ومناسبات طيبة مفرحة تكون بمنزلة المقدمة للحياة السعيدة في الآخرة.
|
|