ولمثل هذا فليتنافس الساسة
|
زيد حميد المختار
حين فرضتُ تعليماتي وقراراتي الأخيرة على عائلتي القاضية بالترشيد في استخدام الطاقة الكهربائية بالاستغناء عن المكيّف والاكتفاء بـ(المبردة) لم أكن لأتواجد في البيت إلا ساعة وجبة العشاء وما بعدها تماشياً مع الإحساس الوطني بالآخرين من أبناء شعبي المسكين.
ولم أكتفِ بهذا الحدّ، بل رحتُ أنصح القريب والبعيد من زملائي وأصحابي وأقاربي بالترشيد في استخدامها وألقي على مسامعهم الخطب الأخلاقية والوطنية الرنانة. لكن تلك التعليمات لم تدم طويلاً، فسرعان ما أرختْ عطلة نهاية الأسبوع سدولها فأحسستُ وقتها بتبعات تعليماتي الوطنية الجائرة مع درجات الحرارة التي تزيد على الخمسين درجة مئوية في بعض لسعات أيامها.
وفي الأيام الأخيرة التي تلت التظاهرات التي عمّتْ محافظات عدّة رفع المسؤولون خطوط الطوارئ عن بيوتهم، لا خوفاً على المواطنين ورعاية لهم وتحقيقاً لمطالبهم، بل صيانة لباقي المكتسبات التي حصلوا عليها بتعب جبين (المغفلين) كما يروق للبعض منهم تسميتهم، وتراهم يتمسّكون بآرائهم ومواقفهم التي تتواءمُ مع الاستراتيجيات الحزبية، ويتكلمون بملء أفواههم الترفة بأنهم يمثّلون الشعب ويدافعون عن حقوقه الضائعة التي ستبقى ضائعة ما داموا منعمّين، فترى جماعة منهم يتمسّكون بمطلب لا يستسيغه الآخرون، وجماعة يصرّون على مطلب يتنافى مع الإجماع البرلماني، وجماعة وجماعة...
وعلى هذا المنوال والحكومة لم تُشكّل بعد ليصل الأمر بأحد الجهات السياسيّة الأساسيّة الفاعلة في العملية السياسية بالتلويح بالانقلاب العسكري! وأظن، وكلي ثقة برأيي، أن المشكلة تكمن في انعدام الإحساس بالمواطن على اعتبار أن الساسة في جنان الفردوس الأرضي والرعيّة في درك جهنم البرزخي، والبون بهذا فوق الشاسع بين الراعي والرعيّة. وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مع انعدام المعيارية المنطقية بين الطرفين، يأكل ما جشبَ ويلبس ما خشنَ خصوصاً أيام ولايته لأمر المؤمنين، وكان قد دعاه عيال أحد أخوته في أحد الأيام إلى طبق من الحلوى فلبّى عليه السلام الدعوة وسألهم بعد جلوسه عندهم، من أين لكم ثمنها وأنا مساوٍ بينكم والآخرين في العطاء، ولا يكفي العطاء إلا الكفاف؟ فأجابوه بأنهم وفّروا بالتضييق على أنفسهم في المعاش قيمته، فأجابهم بقرار حكيم: إذن، فلتكن حصّة عطائكم ما تمكّنتم به على العيش!!
|
|