قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الحجّة أمضى من السيف
*يونس الموسوي
قال الله في قرآنه الكريم: "قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ" (الأنعام/ 149).
أتعرفون ماهي الحجة البالغة ؟
لقد عرّف الإمام الصادق (عليه السلام) الحجة البالغة فقال: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالماً؟ فان قال: نعم، قال: أفلا عملت بما علمت؟
وإن قال: كنت جاهلاً قال له: أفلا تعلّمت حتى تعمل، فيخصمه، وذلك الحجة البالغة. (آمالي المفيد/ ص633).
وإذا كان حال الناس هكذا فماذا يعمل الجاهل وماذا يعمل العالم؟
أما الجاهل فيجب أن يصمت ولايدلي بشيء يحاسب عليه يوم القيامة، وقد اعتاد الناس الحديث في شؤون وموضوعات مختلفة، وقد يرغب البعض أن يدلي بدلوه في قضايا وأحكام هامة ترتبط بحياة الأمة ومصيرها، ولاشك أن كل واحد هو معني بمصيره وبمصير أمته، لكن يجب فسح المجال أمام المتعلمين وأصحاب العلم والمعرفة بأن يبدوا آراءهم صراحة في هذه الموضوعات حتى تستفيد الأمة من آرائهم وأفكارهم.
والعالم الذي يعرف الحقائق، لا يجوز له السكوت عن الحق، فهو قد درس وتعلم وطلب العلم من أجل تعليم الناس وليس من أجل أن يضمره في قلبه وهو مسؤول أمام الله بشأن هذا العلم الذي تعلمه ومسؤوليته أعظم من مسؤولية الجاهل في وجوب بث العلوم والمعارف للناس.
وبالطبع نحن لانقصد بالعالم هو كل من ارتدى لباسهم و تقمّص مظهرهم ، وإنما العالم هو الذي يحمل العلم والمعرفة، ويمتلك الأجوبة الصحيحة لكل ما يتبادر إلى ذهن الإنسان من شكوك وظنون، وتحث مدرسة أهل بيت النبوة على العلم وطلبه من مصادره الرئيسة، فإذا كان العلم في الغرب نذهب إلى الغرب ونتعلم منه، ولاعيب في ذلك وإنما كل العيب أن يبقى الإنسان جاهلاً ولا يفقه من أمور حياته شيئاً، والأسوء من كل ذلك هو أن يكون جاهلاً ومتخلفاً ويظن نفسه عالماً فيصف الشرق والغرب بالجهل وهو لايعلم أن الجهل يطبق عليه هو، قبل غيره.
وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهو يقول : (من شك أو ظنّ فأقام على أحدهما فقد حبط عمله، إن حجة الله هي الحجة الواضحة ) وسائل الشيعة، ج18، ص113، ولو أراد المسلمون أن يطبقوا هذا الحديث وحده لصعدوا إلى أعلى عليين وارتفعوا فوق جميع الأمم وتقدموا على جميع الشعوب، ذلك أنه يدعو الإنسان في كل ساعة من ساعات حياته للبحث والتحقيق عن الحقائق العلمية، لأنه ما من أحد يسلم من هجوم الشكوك والظنون، وأن هذه الشكوك والظنون لاتعالج إلا بالعلم والمعرفة فكيف سيكون حال الأمة التي عالجت شكوكها وظنونها في مجالات العلم والحياة كافة؟ وإنها بلاشك ستكون أمة متقدمة ومتعلمة ومتحضرة.
ويعترض الله سبحانه وتعالى على المحاججة غير العلمية، والتي لاتقوم على قواعد عقلية ومنطقية أو شرعية فقد جاء في القرآن الكريم "هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ" (آل عمران/ 66) واليوم إنظروا إلى الجدل الدائر بين المسلمين حول قضاياهم الفكرية والعقائدية والسياسية وغيرها، ومعظم هذا الجدل يقوم على أساس العصبيات الجاهلة، فعندما يتجادل البعض فليس هدفهم الوصول إلى حقائق العلم، وإنما هدف كل واحد منهم هو نصرة مدرسته وجماعته بكل عصبية ومن دون مراعاة حقائق التاريخ والعلم والدين.
ما المانع من حدوث حوار ومباحثات بين المدارس والجماعات الفكرية؟ المشكلة ليست في الحوار أو الجدل في المسائل الخلافية أو غيرها، إنما المشكلة في العصبيات التي تنبع من جهل الإنسان وانقياده إلى نوازعه النفسية ومصالحة الذاتية، العكس، يجب أن نتعلم أصول الجدل والحوار، لا لكي نعلن إنتصارنا على الطرف الآخر، بل من أجل الوصول إلى الحقائق العلمية، لكننا أيضاً يجب أن نثبت للجميع من خلال حواراتنا، إننا حتى وإن اختلفنا في جميع المسائل العقائدية أو الفكرية والسياسية، فإننا نستطيع أن نعيش معاً ونتبادل المصالح المشتركة والمشاعر.
يجب أن يتعلم البسطاء من الناس هؤلاء الذين يحملون السلاح ويقتلون أصحابهم واخوانهم لمجرد الاختلاف معهم بالرأي، يجب أن ينظروا إلينا في التلفزيون والراديو ونحن نختلف في الآراء والأفكار ولكننا عندما ننهي اللقاء يقبّل أحدنا الآخر ونتعاون معاً في بناء هذا الوطن وهذه الأمة.
ليس العيب أن نختلف ولكن العيب هو أن لانعترف بالاختلاف كمفهوم ايجابي وانساني، ونحاول أن نضمر هذا النكران ونظهر الهدوء، في الوقت نفسه نحيك الدسائس والمؤامرات للطرف المقابل للنيل منه وحتى تصفيته، كما كان يفعل صدام، فهو لم يكن يبين للطرف المقابل بانه على شفى حفرة من الفخ، لكن من خلف الستار وبعيداً عن الانظار يسارع لافتراسه الضحية بهدوء، ولو لم يكن حدث السقوط الكبير في التاسع من شهر نيسان عام 2003 لما كان العراقيون يصدقون ان صداماً مجرماً ودموياً بالشكل الذي أظهرته المقابر الجماعية، والارقام المذهلة من شهداء السجون والتعذيب.
وإذا كانت هناك آفة للحوار بين المختلفين على أساس أنها تثير الجهلة والبسطاء من الناس، فيمكن أن يجري الحوار بطريقة لاتثير الجهلة، ولايحكمها قانون الغالب والمغلوب، بل يمكن أن تكون توافقية بحيث تؤدي إلى المزيد من التوافق بين المسلمين، كأن يجري النقاش حول المسائل المجمع عليها بين المسلمين وقد توحدت آراءهم بشأنها.
لو أردنا تحليل نفسية المجتمع الذي ينفجر غضباً نتيجة حوار تلفزيوني أو إعلامي، سنكتشف أن هذا المجتمع تتحكم به العصبيات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فهو متعصب لطائفته ويظن أنها منزلة من الله، أو هو متعصب لعشيرته ويظن أن الله لم يخلق مثلها أبداً، وهو متعصب لأسرته ويظن أنهم منزلين من السماء.
العصبية هي لله وللحق والعلم والمعرفة، وقد جاء في الحديث عن الإمام علي (عليه السلام): (قوة سلطان الحجة، أعظم من قوة سلطان القدرة) فبقوة الحجج وبقوة الحق تسقط الحكومات وتزول، لكن الحكومات لم تستطع تغيير الحقائق، ونحن نرى كيف غلبت حجة الحسين (عليه السلام) سلطة يزيد وكيف أطاحت بحكم بني أمية!
انها ثقافة أهل البيت وثقافة الامام الحسين (عليه السلام)، وهذا يفسر لنا معنى (انتصار الدم على السيف) في واقعة الطف.