قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

علماء الدين.. القرب اليهم أكثر للتزود بالمعرفة أكثر
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *بشير عباس
العلم؛ أجل الفضائل وأشرف المزايا وأعز ما يتحلّى به الانسان، فهو أساس الحضارة ومصدر أمجاد الأمم، وعنوان سموها وتفوقها في الحياة، ورائدها الى السعاة الأبدية ، وشرف الدارين.
والعلماء هم ورثة الأنبياء وخزّان العلم ودعاة الحق وأنصار الدين، يهدون الناس الى معرفة اللّه وطاعته، ويوجهونهم وجهة الخير والصلاح، ومن من أجل ذلك تظافرت الآيات والأخبار على تكريم العلم والعلماء، والاشادة بمقامهما الرفيع؛ قال تعالى: "قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون" (الزمر: 9)، وقال تعالى: "يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين اتوا العلم درجات" (المجادلة: 11)، وقال تعالى: "إنما يخشى اللّه من عباده العلماءُ" (فاطر: 28).
وعن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك اللّه به طريقاً الى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وانه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض، حتى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر. وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ، وقال الامام الباقر (عليه السلام): عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد، وقال الامام الصادق (عليه السلام): اذا كان يوم القيامة، جمع اللّه عز وجل الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا كميل، هلك خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، وعن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام)، قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): يجيء الرجل يوم القيامة، وله من الحسنات كالسحاب الركام، أو كالجبال الراوسي، فيقول: يا رب أنّى لي هذا ولم أعملها؟ فيقول: هذا علمك الذي علّمته الناس، يُعمل به من بعدك.
ولا غرابة أن يحظى العلماء بتلك الخصائص الجليلة، والمزايا الغر، فهم حماة الدين وأعلام الاسلام، وحفظة آثاره الخالدة وتراثه المدخور، يحملون للناس عبر القرون، مبادئ الشريعة وأحكامها وآدابها، فتستهدي الأجيال بأنوار علومهم، ويستنيرون بتوجيههم الهادف البناء.
وبديهي أنّ تلك المنازل الرفيعة، لا ينالها إلا العلماء المخلصون المجاهدون في سبيل العقيدة والشريعة، والسائرون على الخط الاسلامي، والمتحلّون بآداب الاسلام وأخلاقه الكريمة.
ولهؤلاء فضل كبير وحقوق مرعية في أعناق المسلمين، جديرة بكل عناية واهتمام، ومن هذه الحقوق:
1 – توقيرهم.. وهو في طليعة حقوقهم المشروعة، لتحليهم بالعلم والفضل، وجهادهم في صيانة الشريعة الاسلامية وتعزيزها، ودأبهم على إصلاح المجتمع الاسلامي وإرشاده، وقد أكد أهل البيت (عليهم السلام) عن جلالة العلماء، وضرورة تبجيلهم وتوقيرهم، قولاً وعملاً، حتى قرروا أن النظر اليهم عبادة، وان بغضهم مدعاة للهلاك، كما شهد بذلك الحديث الشريف: عن موسى بن جعفر الكاظم عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال (صلى اللّه عليه وآله): النظر في وجه العالم حباً له عبادة، وعن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال، قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): أغد عالماً أو متعلماً، أو أحِبَّ العلماء، ولا تكن رابعاً فتهلك ببغضهم.
وهكذا كانوا (عليهم السلام) يبجّلون العلماء، ويرعونهم بالحفاوة والتكريم، يحدثنا الشيخ المفيد (رحمه الله)، عن توقير الامام الصادق (عليه السلام) لهشام بن الحكم، وكان من ألمع أصحابه وأسماهم مكانة عنده، أنه دخل عليه بمنى، وهو غلام أول ما اختلط عارضاه، وفي مجلسه شيوخ الشيعة، كحمران بن أعين وقيس الماصر ويونس بن يعقوب وأبي جعفر الأحول وغيرهم، فرفعه على جماعتهم، وليس فيهم الا من هو اكبر سناً منه، فلمّا رأى ابو الامام الصادق (عليه السلام) أن ذلك الفعل كبر على أصحابه، قال: هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده.
وجاء عن أحمد البزنطي، قال: وبعث اليّ الرضا (عليه السلام) بحمار له، فجئت الى صريا، فمكثت عامّة الليل معه، ثم أتيت بعشاء، ثم قال: افرشوا له. ثم أتيت بوسادة طبرية ومرادع وكساء قياصري وملحفة مروي، فلما أصبت من العشاء، قال لي: أما تريد أن تنام؟ قلت: بلى، جعلت فداك. فطرح عليّ الملحفة والكساء، ثم قال: بيتك اللّه في عافية... وكنا على سطح، فما نزل من عندي، قلت في نفسي: قد نلت من هذا الرجل كرامة ما نالها احد قط.
2 – برهم.. إن هم العلماء وهدفهم الأسمى هو خدمة الدين وبث الوعي الاسلامي، وتوجيه المسلمين نحو الخلق الكريم والسلوك الأمثل، وهذا ما يقتضيهم وقتاً واسعاً وجهداً ضخماً، يعوقهم عن اكتساب الرزق وطلب المعاش كسائر الناس، فلا بد والحالة هذه، للمؤمنين المعنيين بشؤون الدين، والحريصين على كيانه أن يوفروا للعلماء وسائل الحياة الكريمة، والعيش اللائق، وذلك بأداء الحقوق الشرعية اليهم، التي أمر اللّه بها وندب اليها، من الزكاة والخمس، ووجوه الخيرات والمبرّات. فهم أحق الناس بها، وأهم مصاديقها، ليستطيعوا تحقيق أهدافهم، والاضطلاع بمهامهم الدينية، دون أن يعوقهم عنها طلب المعاش.
وقد كان الغيارى من المسلمين الأوائل، يتطوعون عن طيب خاطر وسخاء، في رصد الأموال، وإيجاد الاوقاف، واستغلالها لصالح العلماء، وتوفير معاشهم.
وكلما تجاهل الناس مكانة العلماء، وغمطوا حقوقهم، أدى ذلك الى انحسار العلماء، وهبوط الطاقات المعنوية ، وضعف النشاط الديني. مما يعرض المجتمع الاسلامي لغزو المبادئ الهدامة، وخطر الزيغ والانحراف.
3 - الاهتداء بهم.. لا يستغني كل واع مستنير، عن الرجوع الى المختصين في مختلف العلوم والفنون، للإفادة من معارفهم وتجاربهم، كالأطباء والكيمياويين والمهندسين ونحوهم من ذوي الاختصاص، وحيث كان العلماء الروحانيون مختصين بالعلوم الدينية، والمعارف الاسلامية، قد أوقفوا انفسهم على خدمة الشريعة الاسلامية، ونشر مبادئها وأحكامها، وهداية الناس وتوجيههم وجهة الخير والصلاح، فجدير بالمسلمين أن يستهدوا بهم ويجتنوا ثمرات علومهم، ليكونوا على بصيرة من عقيدتهم وشريعتهم، ويتفادوا دعايات الغاوين والمضللين من أعداء الاسلام.
أما اذا ما تنكروا للعلماء المخلصين، واستهانوا بتوجيههم وإرشادهم وجهلوا واقع دينهم ومبادئه وأحكامه، سيكونوا عرضة للزيغ والانحراف.
أنظروا كيف يحرص أهل البيت (عليهم السلام) على مجالسة العلماء، والتزود من علومهم وآدابهم، في نصوص عديدة:
فعن الامام الصادق (ع)، عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة... والمراد بأهل الدين، علماء الدين العارفون بمبادئه، العاملون بأحكامه.
وجاء في حديث الامام الرضا عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): مجالسة العلماء عبادة.
وقال لقمان لابنه: يابني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فان اللّه عز وجل يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض بوابل السماء.
وعن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): العلم خزائن، ومفتاحه السؤال، فاسألوا يرحمكم اللّه، فانه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمحب لهم.