نفحات من (سورة العصر)
"إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ"
|
*حسين الخشيمي
كلما تقدم الزمن ومرت الساعات والايام، كلما استهلكت الاشياء وفقدت صلاحيتها وفرصتها بالبقاء، كذلك الانسان الذي يحسب وهو طفل صغير ان تقدم العمر به علامة على نموه وتحوله، وانما هي خطوات نحو الاخرة، نحو تلك الحفرة الضيقة التي اما حفرة من ناراو روضة من رياض الجنة، ويبقى في حالة خسران دائمة، في كل لحظة تمر عليه دون عمل مرتبط بالله خسارة جديدة، لا يمكن تعويضها لانها انتهت ولن تعود، فنفس المرء خطاه الى اجله ومصيره الاخير الذي يصنعه بنفسه، اما بأستغلال وقته والعمل في التزود للأخرة، او التسويف والخسران اللذان يسوقانه الى نار جهم، فعن الإمام علي (عليه السلام): (من أفنى عمره في غير ما ينجيه فقد أضاع مطلبه).
ومن هنا يتحتم على الانسان ان يجد ما يخلصه من هذا الخسران المستمر الذي تصرح به سورة العصر، والتي تبين في الوقت ذاته برنامج فوز الانسان الذي من خلاله يخلص الانسان نفسه من هذا الخسران الذي يقسم ربنا من اجله، فيقول تعالى: "والعصر"، دلالة على اهمية الوقت الذي يعيشه الانسان، والذي يغفل عنه وهو تلك الامانة التي يسأل عنها كل الناس يوم القيامة. ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تزول قدم عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت).
فكيف نتجنب هذا الخسران ؟
اولا : العقيدة والسلوك. "ألا الذين آمنوا وعملوا الصالحات"
الايمان والعمل احدهما يكمل الاخر، فلا ايمان الا بعمل ولا عمل الا بأيمان، وكثيرا ماتدعو الايات القرآنية واحاديث اهل البيت عليهم السلام الى استغلال ساعات الزمن في الايمان وترسيخ العقيدة والعمل الصالح بترجمة هذه العقيدة الى سلوك حي، يرسم مسير الانسان ويحدد طريقه، وكل عمل مقترن بوقت، فالصلاة مثلا فرضت في اوقات معينة، وقسمت وبأروع تقسيم يكتسب بها الانسان العزيمة الالهية في الصباح والمساء، لكي لا يخترق الشيطان وقته، فينحرف عن الطريق، وكذلك سائر العبادات والاعمال الاخرى التي حثت عليها السنة الشريفة، وخير شاهد ودليل ذلك الكتاب القيم الذي لايزال خالداً حتى يومنا هذا وهو (مفاتيح الجنان) والذي أودع فيه الشيخ المرحوم عباس القمي (طاب ثراه) الاعمال الخاصة والعامة بالساعات والايام والاسابيع والشهور، وهذا يدل على ان الله جعل لكل وقت مايسده ويملأه فلا يضيعه الانسان في التوافه والامور الصغيرة التي لانفع منها، لان هذه الدقائق والساعات راحلة دون عودة، واذا ضيعها الانسان خسر فرصة اللحاق بالصالحين في الجنة .
ثانيا : التواصي بالحق والصبر . "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"
تواصى القوم، أي أوصى بعضهم بعضا كما جاء في (تاج العروس)، أي تقديم النصح والارشاد للآخر، فمن الضروري جدا ان يتحلى المؤمن بروح النصح للآخرين وارشادهم للحق. والبحث عن الحق أمر صعب، ويحتاج الى الترابط والتعاون من اجل الوصول اليه، لان السائرين عليه قلة ولن تجدهم بسهولة، لذلك ينبغي التواصي بالصبر من اجل الحق كما اشارت الاية الكريمة، والا ضيع الانسان فرصته في الحياة بعد ان يضيع ساعات عمره، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو) ويقول الإمام علي (عليه السلام): (الحق كله ثقيل، وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا نفوسهم، ووثقوا بصدق موعود الله لمن صبر واحتسب، فكن منهم واستعن بالله).
لذا على الانسان في هذه الحياة اذا اراد الفوز ان يرسخ عقيدته ويبنيها بناء صحيحا لتقاوم أعتى الرياح، وان يتواصى مع الاخرين من ابناء المجمتع بالحق، ويستعينوا معا من اجل ذلك بالصبر والاستقامة والثبات.
|
|