الدعاء في القرآن الكريم
لكي تُجاب...
|
*صادق الحسيني
الدعاء لبّ الايمان، وهو حبل متصل بين الانسان و ربّه، ولكنه و كما هي المفاهيم الدينية الاخرى تتعرض لفهم قشري وخاطئ، ففي الوقت الذي يعد الدعاء (سلاح المؤمن) لمواجهة اليأس والهزيمة وكل وساوس الشيطان، نرى البعض من الناس يصف الدعاء على أنه عامل مخدّر لأنه يصرف الانسان عن الفاعلية والعمل و تطوير الحياة، فهو يلجأ الى الدعاء – حسب تصور هذا البعض- علّه يحقق به ما عجز هو عنه، او ربما يقول البعض: (انه سلاح العاجزين)! ولكن القرآن الكريم وسيرة أهل البيت عليهم السلام تؤكد خطأ هذا التصور، فالدعاء على لسان الانبياء والأئمة الاطهار كان دائماً مقروناً بالعمل، و قد اشار القرآن الكريم في مواضع عدة الى ان الدعاء لا يقوم بتاتاً مقام العمل وانما هو مكمل له، و حين النظر الى سيرة الانبياء نجد أنهم كانوا يبذلون كل جهودهم و يستعملون طاقاتهم لقضاء حوائجهم و من ثم يدعون الله تعالى لتحقيق ما يريدون، و هكذا لابد للانسان من الدعاء مع العمل، فهو (كالملح مع الطعام) كما جاء في الحديث الشريف، فالاساس هو العمل و من ثم الدعاء.
في ختام سورة الانبياء وبعد بيان عدة مواقف للانبياء ابتداءً من نوح و انتهاءً بزكريا حيث دعا ربه فاجابه و رزقه الذرية الصالحة المتمثلة بيحيى عليه السلام، يبين ربنا تعالى ثلاث صفات مهمة كان زكريا و اهله يتمتعون بها مما لها علاقة باستجابة الدعاء و اول هذه الصفات أنهم كانوا يسارعون الى الخيرات فلا يدعون من دون أن يعملوا، يقول ربنا تعالى: ""إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" (الأنبياء/90)، إذن؛ المسارعة الى الخيرات صفة نابعة من ترقب الموت و كما يقول امير المؤمنين (ع) (من راقب الموت سارع الى الخيرات) فبعين البصيرة يرى المؤمنون هذه الدنيا دار الفناء و أنّ انفاسهم فيها ثمن الجنان او لهب النيران وهي تقربهم الى الرحيل و لذلك يسارعون الى الخيرات و حينما يسارع المرء الى الخيرات يستجاب دعاؤه.
ولعلّ العلاقة الاخرى بين المسارعة للخيرات و استجابة الدعاء هي أنّ عمل الخيرات بمفهومه الواسع من الاعمال العبادية من قبيل الاحسان الى الناس والشعور بالمسؤولية إزاء الاخرين. من هنا فالذي لا يرحم الناس بأي صورة قد يبقى بعيداً عن استجابة الدعاء مثله مثل ذلك الرجل الذي كان في ظلمة داهمة في الشتاء القارص يتمنى أن لو رأى قرص الشمس أو نال من حرارتها أو ان يجد مكاناً يؤوي اليه من البرد .. فيدعو ربه بقلبه الذي سُلب منه النور أن يجد جذوة من النار ولكنه لا يجدها حينها يتذكر أن يوماً مرّ عليه مسكين بباب بيته يطلب منه المكوث عنده بعض الوقت ريثما يتوقف هطـول المطر ولكنه امتنع.
وهكذا جاء في الحديث: (ارحمو من في الارض يرحمكم من في السماء) و في حديث آخر (ارحم من تملك رقه يرحمك من يملك رقك) فربنا الذي يهمين علينا واليه المصير يرحمنا لو تجلت هذه الصفة في قلوبنا و رحمنا من هو دوننا و لعل هذا هو المعنى الثاني في المسارعة للخيرات، و ينبغي لنا نحن الطامحين لأن يستجيب لنا الله دعواتنا أن لا نغفل عن ذلك فنسعى دائماً الى الخيرات و نستبق لها و هكذا يقول ربنا: "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة /148) و هذه هي الصفة الاولى و لعل الله تعالى يوفقنا لبيان الصفات الاخرى في الاعداد القادمة انشاء الله تعالى .
|
|