من المكتبة المرجعية
فقه الاستنباط.. دراسات في مبادئ علم الأصول
|
*أنور عزّالدين
بعد ان أنهى سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي موسوعته (التشريع الاسلامي ـ مناهجه ومقاصده) والتي تقع في عشرة أجزاء في العقد الماضي، وهي بمثابة مشروع جديد لكشف الجسر الواصل بين الفقه من جهة والقرآن الكريم وسنة النبي (ص) وآل بيته (ع) من جهة أخرى، عبر تلك القيم والحكم المبثوثة التي تعد أساس التشريع في الإسلام، أصدر سماحته مجلّده الأصولي (فقه الاستنباط.. دراسات في مبادئ علم الأصول) الى الساحة العلمية والحوزوية ليتابع بحوثه من زاوية نقدية.
هذا الكتاب والذي يقع في (336) صفحة، ومن اصدار دار محبي الحسين (ع) للنشر، وبتحقيق مركز العصر للثقافة والنشر في بيروت، يشتمل على مقدمة وتسعة فصول، وكل فصل يحتوي على عدة أقسام.
يشير السيد المؤلف (حفظه الله) في مقدمة الكتاب الى قصته مع التأليف في علم الأصول، حيث بدأ مبكرا بكتابة شرح لكتاب معالم الأصول، ثم شرح لكتاب كفاية الأصول عام 1381هـ أيام متابعته لدروس المرجع الفقيد آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس سره) وكذلك عند اشتراكه في بحث الأصول لآية الله العظمى الشيخ يوسف الخراساني البيارجمندي (قدس سرهما) بين عامي 1384 ـ 1385هـ، وانه قام (حفظه الله) بتدريس هذا العلم في الصحن الحسيني الشريف لبعض الأخوة الفضلاء، الى حين عام 1389هـ حيث داهم العراق وضع سياسي متردٍ غادر سماحته اثره الى الكويت عام 1391هـ، ولكن لم يفتأ حيث ألقى هناك سلسلة من المحاضرات في الفقه والأصول، مرتئيا سماحته تبلور موسوعة للتدبر في القرآن الكريم فصدر عنه (من هدى القرآن) وهي تقع في 18 مجلدا، ومن ثم بعد الهجرة الى ايران صدر عنه موسوعة التشريع الاسلامي.
يرى سماحته ان هذا الكتاب ـ والذي يأمل متابعة هذا النوع من البحوث في المستقبل ـ انه يتصف بـ:
1ـ دراسة النظريات بصورة تهدف التركيز على النقاط الايجابية في كل واحدة لتكميلها بأخواتها.
2ـ الاستفادة من العلوم الحديثة التي تتناسب والبحوث المطروحة، كعلم الألسنيّات لفتح أفقٍ آخر لدراسة مباحث الألفاظ وكذلك بحوث الوضع والمشتق.
3ـ طرح بعض الآراء التي قد تفيد في تحديد الاتجاه العام لعلم الأصول.
4ـ دراسة شروط الاستنباط ومبادئه العلمية ومواصفات المستنبط لعلها تضع معالم على طريق علم الأصول والتمهيد لاستنباط الأحكام الشرعية.
يتناول الفصل الأول من الكتاب والذي يقع في أربعة أقسام، كلمات تمهيدية في واقع علم الأصول، كالعلم وموضوعات علم الأصول وتمايز العلوم وتعريف علم الأصول ونظريات العلماء، والعوارض الذاتية والغريبة في موضوع علم الأصول.
أما الفصل الثاني والذي يتوزع في أربعة أقسام أيضا، يتناول علم الأصول عبر التاريخ ودور العامل السياسي والمعارضة وكذلك الثقافة الوافدة في نشأة وتطوير هذا العلم، وكذلك بحوث في مجال الأصول والفروع والمحكم والمتشابه، وفقه النص وتفسيره ومراحل دراية الحديث.
في الفصل الثالث يتناول الكتاب موضوع الوضع وأقسامه، مستطرداً بحث نشأة اللغات ومناقشة جملة من النظريات كنظرية الاصطلاح والمحاكاة، وكذلك مراحل الوضع، وفقه النسبة ومعنى الحرف ونظرية الوجود والرابط والرابطي ونظرية التخصيص والتعدد والجمل الخبرية والانشائية.
ويناقش الفصل الرابع موضوع الحقيقة والمجاز والحقيقة الشرعية، متناولا مواضيع كمفهوم التبادر وصحة الحمل والاطراد، وكذلك رأي الأصوليين في الحقيقة الشرعية ومن هو الشارع المقدس؟
وخصّ الفصل الخامس بحوثه حول مفهوم الدلالة وناقش أسباب فشل المنطق اليوناني في تفسير الوحي، وتطرق الى كل من علم التجويد والصرف والنحو والبلاغة في كشف الدلالات، مشيرا الى أهمية السياق اللغوي والعاطفي والثقافي في كشف المعاني، ووصولا الى بحث العلاقات الدلالية والتغيّر الدلالي.
الفصل السادس حرّر بحوثه في المعنى بين الصحيح والأعم، وتناولت أقسامه الأربعة الأدلة المتعارضة بين الصحيح والأعم، مناقشا أدلة المحققين الخوئي والعراقي (قده) في هذا الصدد، وقد استنتج القسم الثالث ثلاث بصائر كثمرة للبحث، فيما تناول القسم الرابع بحث في المعاملات.
حقائق الاشتراك في اللغات، بحث تناوله بإسهاب الفصل السابع، وقد ناقش الكتاب ثمرة المشترك، وكذلك الاشتراك ونظرية التعهّد في وضع اللغات.
الفصل الثامن توزع الى قسمين؛ الأول هو حوار في استعمال اللفظ في اكثر من معنى، معالجا كلا من مذهب فناء اللفظ ومذهب إحاطة النفس بلحاظين مستقلين.
الفصل التاسع والأخير استطرد في المشتق وبحوثه المتعددة كالأصل عند الشك والبساطة والتركيب، وكذلك المشتق بالنسبة للمتلبّس وللأعم وغيرها من المواضيع.
ان هذا الكتاب وفصوله المتعددة جدير بالاقتناء والمدارسة من لدن رجال التشريع وعلماء الحوزة العلمية، ذلك لأن علم الأصول ـ كما يقول السيد المرجع المدرسي (دام عزه) ـ تتصل نشأته وتطوره بعلم الفقه، ولأن علم الفقه بدوره تتصل نشأته وتطوره بالحضارة الاسلامية باعتبار ان الاسلام كان دين الدولة ونظاما للمجتمع وثقافة للأمة، وان علم الأصول تأثر بكل العوامل التي أثرّت في نشأة وتطور الحضارة الإسلامية، كذلك والتي أثرت وتؤثر في خمودها او انحطاطها.
|
|