قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الكلام المسؤول و دوره في تقريرالمصير
*يونس الموسوي
لو كان كلام الناس علمياً لايحتمل شيء من الشك أو الجهل ماذا كان سيحدث؟ ولو كانت تصرفات الناس وحتى كلامهم على أساس العلم والمعرفة، لكانت الحياة التي نعيشها هي غير هذه التي نراها، لأن كل خطوة وكل كلمة من كلمات الإنسان التي يتلفظها هي مفيدة وتساهم في بناء الحياة. لو دققنا في أسباب الحروب والمشاكل والنزاعات التي تحدث على مستوى العالم وحتى على المستوى الوطني والفردي سنجد أنها أفكار سقيمة وكلمات تافهة.
ولم نجد في وصف أرقى وأجمل من وصف الله عزوجل للكلمة وهو يقول: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" (إبراهيم، 24-25). وفي سياق الآية الكريمة يأتي الله تعالى بمثل للكلمة الخبيثة، وأنه يضرب هذه الأمثال من أجل بيان أهمية الكلمة وتأثيرها في الحياة.
فلو كان كلام الناس وتصرفاتهم منضبطة مع الموازين العلمية، لكنا نعيش في جنة الدنيا، لكن معظم هذا الكلام لا ينطبق مع تلك الموازين لذا وصلتنا من جانب أئمة الهدى صلوات الله عليهم توصيات تعد قواعد علمية تنظم حياتنا الإجتماعية وهي بالإضافة إلى ذلك إرشادات أخلاقية تهذب سلوكياتنا ونفوسنا المريضة.
فنحن نجد في كتب الحديث توصيات من جانب أئمة الهدى وهم يحثون على مسألة عدم الإكثار في الكلام، وعدم الإجابة عن كل شيء لا نملك له جواباً علمياً لذا نقرأ عن الإمام الصادق عليه السلام هذا الحديث: (إن من أجاب في كل ما يسأل عنه، مجنون) بحارالانوار، ج2، ص117، ولايعني هذا أن يسكت الإنسان عن بيان الجواب الصحيح، بل المطلوب هو الصمت وعدم الإجابة بالنسبة إلى المسائل التي يشك في صحة أو سقم جوابها، ذلك أنك لو أجبت شخص عن مسألة معينة كبيرة أو صغيرة فإن هذا الجواب سيدخل ضمن عقيدته الثابته وبالتالي سيترك تأثيراً على سلوكياته وأفكاره.
لنضرب مثلاً بسيطاً على ذلك ونقول: لو سألك شخص عن موقفك تجاه الجماعة الفلانية... بلاشك أن تصوراتك ونظرتك تجاه تلك الجماعة ستترك تأثيراً على موقف هذا الشخص الذي يتطلع إلى معرفة أفضل بما يدور حوله من قضايا وأحداث، وهذا التأثير سيمتد إلى صناديق الاقتراع عندما سيلقي هذا الشخص رأيه في الصندوق الانتخابي، هذا الرأي الذي قد يحسم نتيجة إنتخابية لصالح حزب أو شخص على حساب آخر!
فكلمة واحدة تنطق بها لصالح جماعة أو شخص او ضدها، ستترك تأثيرات كبرى على الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي للبلد، عندها نفهم لماذا قال الإمام الصادق عليه السلام: (إن من أجاب في كلّ ما يسأل عنه، لمجنون).
فهذه الكلمة تحمّل الإنسان مسؤولية عظيمة، لأنها غيرت مجرى الأمور في البلد، وجلبت على سبيل المثال إلى السلطة أناساً مجرمين وقتلة، فأنت أيضاً مسؤول عن وصول هؤلاء إلى الحكم وتشاركهم في كل جريمة يرتكبونها لأنك ساهمت في وصولهم إلى الحكم!
الخيار العلمي والديني لمن يسأل عن شيء لا يعرف جوابه هو الصمت وعدم الإجابة، ذلك أن الإجابة - كما قلنا سلفاً- ربما تخلق الفوضى وتشيع الجهل وتكرس التخلف، بينما المناسب هو أن نسمح للعلم بأن ينتشر ويتفوق على الجهل حتى تتحول حياتنا إلى حياة مزدهرة بالعلم والفضيلة، من هنا يتطلب الأمر منا أن نخلق آلية مناسبة لتحقيق هذا الأمر.
فمجتمعاتنا اليوم هي ملتزمة ببعض التقاليد والأعراف الايجابية وعلى رأسها احترام كبار السن والسماع منهم والإستفادة من تجربياتهم الحياتية، وهذا إطار مناسب من أجل تعليم الشباب والفتيان تجارب الحياة، لكن هذا الأمر لايكفي بل لابد من الاستفادة من وسائل وطرق أخرى لتنشيط الحركة الإجتماعية وتقويم الأشخاص الأكثر علمية بين الناس حتى وإن كانوا صغار السن. إن إيجاد الإطار المناسب لنشر القيم العلمية سيسد الطريق أمام الجهلة الذين يروجون قيم الظلامية والجهل والتخلف.
والقضية المهمة هي أن الثقافة الإجتماعية والكلمة التي تدور على ألسنة الناس تساهم في صنع حياتهم إن كانت سيئة فسيئة وإن كانت حسنة فحسنة.
أما مسؤولية نشر الوعي والكلمة الصادقة والفكرة الإيجابية فانها تقع على القائمين على نشر الثقافة والوعي بين الناس، غير إننا نشهد للأسف ندرة وقلّة في وجود مثل هذه المؤسسات العلمية التي تضع القواعد والأطر والقيم لنشر الكلمة العلمية بين الناس.
إن إنتشار الأفكار السوداوية بين الناس، وهيمنة الروح التشاؤمية والنظرة السلبية لكل شيء، لهي مؤشر على عدم وجود مخطط ثقافي وعلمي يعمل على نشر الكلمة الواعية بين الأمة.