قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

مـــا الــذي يـنـقـصـنا؟
سالم مشكور
نسير في شوارع العاصمة الاردنية عمان، النظيفة والمضاءة، وعلى الجانبين عمارات شاهقة مكتملة وأخرى قيد الانشاء في حركة عمرانية نشيطة. يسألني رفيق سفري السؤال الجاري على لسان كل عراقي يخرج الى دولة اخرى: ما الذي ينقصنا؟ لماذا لا نملك شوارع كهذه بنايات كهذه؟. عندما وصلنا الى مقصدنا حيث تقام ندوة نقاشية حول موضوع عراقي، استلم صاحبي الميكرفون وراح يصدح بصوته الرنّان بتاريخ عراقنا الممتد في عمق التاريخ وعن " حيوية " الانسان العراقي و"خلاّقيته". بعد ان فرغنا سألته: اذا كنا بهذه الحيوية وهذه الخلاقية فلماذا نعيش حالة البؤس التي كنت تتذمر منها قبل الندوة؟.
الاردن كما لبنان، من الدول التي لا تملك موارد تذكر لكنها عامرة، والعراق الذي يملك كل شيء، يصاب مواطنه بالذهول عندما يرى في هذه الدول شارعا نظيفا وأنوارا تضيئه، فما الذي ينقصنا؟ ومن السبب في كل هذا؟. طرحنا هذا السؤال ونحن نرتاح في أحدى المقاهي المكتظة في عمان ففتحنا به باب النقاش بين مجموعة من العراقيين المقيمين وآخرين قادمين للتو. تعددت الاجابات، ومعها تعددت الجهات التي ألقى المتحدثون المسؤولية عليها.
قال أحدهم: "النظام السابق هو المسؤول فقد دمّر كل شيء خلال عشرات السنين، فرّط بثروات البلاد وبدّدها في حروب عبثية، فلم يعمّر سوى القصور الرئاسية، فيما الخراب كان يعم كل مكان ". أجابه آخر منزعجا:" وهل نظل نحمل المسؤولية للنظام السابق؟ تفضلوا: فقد ذهب ذلك النظام منذ سبع سنين، فلماذا لم نر إعمارا حتى الان؟ لماذا لا نحصل على ابسط الخدمات؟ انظروا هل انقطعت الكهرباء هنا في عمان خلال وجودنا منذ أيام ؟ عمان التي لا تملك النفط ولا المياه ولا المال. دعونا نبحث عن السبب الحقيقي لتردي أوضاعنا ".
تدخل شخص ثالث في النقاش قائلا: " أنا أعيش في عمان منذ سنوات طويلة. نفذّت مشاريع عديدة هنا، لم أواجه صعوبة بل لقيت كل التسهيلات التي شجعتني على إقامة المزيد من المشاريع الاستثمارية. ذهبت الى بغداد رغبة مني في الاستثمار في بلدي، بقيت شهورا عدة أهرول وراء الموافقات والتراخيص حتى اصطدمت بالجدار الكبير: "ادفع تربح"، المصيبة ان الدفع لا يعني بالضرورة تذليل الصعاب بل بعضها، فيما الاخر وراءه تحجر عقلي من قبل بعض المسؤولين، أو تشابك قوانين قديمة وجديدة. النتيجة التي خلصت اليها هي ان لا احد يريد ان يبني في العراق، وفي المقابل هناك الكثير من المنشغلين بالتخريب المتعمد. لقد واجهت في دول اخرى مسؤولين مرتشين لكنهم يعملون، رأيت مسؤولين يسرقون جزءاً من المال العام لكنهم يبنون بالجزء الاكبر، اما في العراق فقد رايت الكثير ممن يسرقون الجزء الاكبر من المال المخصص، فيما يوزعون الباقي على الادنى منهم درجات. النتيجة ان الاموال تنفق لكن لا شيء يبنى".
هنا التفت نحونا رجل كان يستمع لنقاشنا مكتفيا بالنفخ في نركيلته فقال: "عمّي خلاصة الكلام أحنا عدنا أزمة ذمّة وضمير وإذا منصلّح حالنا راح نظلّ نباوع على الدول الاخرى ونتحسّر". أما أنا فقد اكتفيت، خلال النقاش، بالاستماع، وأكتفي هنا بنقل تفاصيله دون تعليق...
ــــــــــــ