قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

فهم الحسين "ع" بالحسين
*عبد الرزاق علي
زار الامام الصادق عليه السلام جده الامام الحسين عليه السلام قائلا: (أشهد انك قُتلت ولم تمت بل برجاء حياتك حُييت قلوب شيعتك وبضياء نورك اهتدى الطالبون اليك...).
لا نستطيع ان نهتدي الى الله سبحانه الا بالله سبحانه وبمناهجه التي وضعها. والذين اهتدوا الى الله بغير مناهجه انما اهتدوا لشيء آخر وان زعموا انه الله جل وعلا. فاذا هم يجسمونه سبحانه او ما اشبه من الانحرافات. ولا نستطيع ان نهتدي الى رجال الله الا بمنهجهم وضياء نورهم، كما لا نستطيع ان نهتدي الى الامام الحسين عليه السلام الا بالامام الحسين عليه السلام نفسه: (وبضياء نورك اهتدى الطالبون اليك).
الذين يطلبون الامام الحسين عليه السلام عليهم ان يطلبوه بضياء نوره لا بغيره، والا وصلوا الى شيء آخر، وان ظنوا انه الحسين عليه السلام... فالبعض مثلا اراد ان يفهم الحسين عليه السلام من خلال منهج السياسة.. فلا يصل اليه لانه سيصل الى احد شخصين: اما طالب سلطة، وهو غير الحسين، او الى من لا يعرف السياسة لانه يقدم على معركة يعلم حتما انه يُقتل فيها والخاسر ظاهرا فيها. وهذا غير الحسين ايضا. ولكن بضياء نور الحسين عليه السلام نفهم ان الموت في منهج رجال الله هو انتصار اذا كان هو الطريق الوحيد للدفاع عن القيم وعن الامة. وبذاك النور نفهم ان الدين عطاء لا أخذ. هناك الكثير من الناس المتدينيين يعيشون على الدين ولكن الحسين والحسينيين يعيشون للدين، فاذا احتاج الدين لتضحياتهم بأي شكل كان، لا يترددون في البذل بكل سخاء وطيبة نفس. وقد احاط بالحسين قبيل خروجه العديد من الناس الذين جاءوه في صورة الناصحين....! من الذين لا يفهمون الدين عطاء، ولا ينظرون الى الحسين بضياء نوره، وكانت افكارهم صحيحة وربما رائعة ايضا ولكن ضمن حسابات الاخذ والعطاء، وضمن نظرتهم غير الحسينية للامور، فالحسين لم يكن يجهل تقلب الكوفة واهلها - كما قال له الناصحون- ولم ينس غدرهم بأبيه وأخيه من قبل ـ ولم يجهل طرق النجاة - مع الاحتفاظ بموقف المعارض - كاللجوء الى غير العراق، او إرسال ممثلين عنه حتى اذا استتب لهم الأمر ذهب اليهم، ولم يكن جاهلا وحاشاه بكل النصائح التي تبدو ذكية في منطق الحسابات العادية، لكنها تبدو ساذجة امام منطق الحسين عليه السلام، فقد حوت النصائح كل شيء الا روح الحسين... روح الدين... وهو العطاء لا الاخذ، حب الناس وهل الدين الا الحب...! والعمل معهم مهما كانت السوابق، بل والاستعداد للتضحية من اجلهم ونيابة عنهم اذا تقاعسوا او انقلبوا على من رفع راية انقاذهم.
ان الاهتداء بضياء نور الحسين عليه السلام مرحلة ايمانية متقدمة لا يصلها الا من أخلص الإيمان والود لأهل البيت عليهم السلام، وكلما زاد ايمانا و ودّا ازداد فهما وادراكا للحسين. وبدون ضياء نور الحسين لا يمكن ان نفهم الكثير من مجريات كربلاء. بل ربما إعتبرناها ضربا من الجنون او التهور.
أحد أصحاب الحسين عليه السلام يخلع لامة حربه ويذهب مجردا لثلاثين الف سيف تنتظره وعندما يقول له صاحبه هل جُننت، يقول: (ان حب الحسين اجنني..) هذا، ويشار الى ان اصحاب الحسين عليه السلام انفسهم هم على درجات، فمن سأل هذا النصير للحسين عليه السلام يبدو في درجة دونه في فهم الحسين وان كان هو الآخر في مرحلة متقدمة لكنها دون المرحلة التي وصلها نافع. وبدون ضياء نور الحسين لا نستطيع ان نفهم، لماذا لم يشرب ابو الفضل العباس عليه السلام الماء وهو عطشان لثلاثة ايام وهو قد ملك شريعته.؟ على الأقل لكي يقوى على الاعداء! ولماذا أضر بنفسه عندما منعها من الماء وهو يستطيع ان يشرب.. وغيره من الاشكالات التي يوردها الذين يطلبون الحسين بغير ضياء نوره. ان الوفاء وحده لا يستطيع ان يفسر لنا موقف العباس عليه السلام. هناك أمرا آخر يفهمه ضمير كل من نظر إلى كربلاء ومجرياتها بضياء نور الحسين ولن يفهمه من نظر اليها بنظرات أخرى ضاقت أو اتسعت. ان الشعائر الحسينية لا يفهما أيضا الا من أشرق قلبه بضياء نور الحسين عليه السلام، والا لا يفهمها ولا يستوعبها بل سرعان ما يضعف ويتنازل ويستسلم امام الضجة التي لا تهدأ من أعداء الأمة ضد هذه الشعائر. تلك الضجة التي تريد ابعادنا عن نهج الحسين. والذي يبدي تراخيا تجاه تلك الضجة ظناً منه انه يحفظ المحتوى يعيش وهماً كبيراً، ذلك ان القشر يحفظ الثمرة ومتى ما أزلنا القشرة ضاعت الثمرة، فالذي يكون مستعداً للتنازل عن الشعائر فهو أكثر استعدادا للتنازل عن المحتوى. انهم لا يطالبون بظاهر الشعائر، انما هدفهم المحتوى، والا ماذا يضرهم أن نبكي ونقيم المجالس الحسينية؟
لكي نطلب الحسين لا سواه، علينا ان نفهمه بضياء نوره، ولكي نفهمه كذلك، علينا ان نسلم بأفعاله ومبادئه والاهداف التي استشهد من اجلها.