قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

ثقافة المسؤولية بداية الإنطلاق نحو التغيير
*كريم الموسوي
ان منهجية الانسان في التفكير تحدد عادة مستقبل حياته، وهذه المنهجية هي اهم ما ينبغي ان يغيره الانسان في نفسه، و الفكر اللامسؤول والثقافة اللامسؤولة يعدان من الظواهر السلبية في منهجية التفكير.
والفكر على نوعين؛ الأول: فكر يحثّ على تحمل المسؤولية، ويرفع الانسان الى مستوى العطاء والتصدي وتحمل تلك الامانة التي ألقيت عليه في عالم الذر، والتي اشفقت السماوات والارض والجبال ان يحملنها وحملها الانسان، أما النوع الاخر: فهو الذي يكرس فيك حالة الخمول والتردد والتراجع، ويضع على قلبك الاغلال والقيود.
في مجتمعنا اليوم افكار كثيرة متماوجة تسعى لاختراق الاذهان بهدف حجب الحقائق، لذا فهي أخطر من الفيروسات على جسم الانسان، واكثر فتكاً من الاعداء الظاهريين. وبدلاً من مواجهة هذا النوع من الافكار لنكون قادرين على معالجة ازماتنا ومشاكلنا، نشهد ظاهرة الاتكالية واتهام الآخر، فالجميع يتهم الجميع بانه متهاون ومتباطئ و...! بينما حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أمامنا (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، ولذا نجد ان ازماتنا ومشاكلنا في هذا البلد الاسلامي أو ذاك مستمرة بل ومتفاقمة، ولعل المثال الأبرز هو العراق، الامر يتطلب وقفة شجاعة من كل واحد منّا وتحمل القسط الذي يخصّه ويعنيه من المسؤولية، وكذلك يفعل الثاني والثالث وهكذا... ودليلنا في ذلك الارادة التي منحها الله تعالى للانسان منذ ان خلقه، كما منحه تعالى نور العقل والنبوة والحكمة ليستدل على هذه الموهبة العظيمة. ولذا نعرف ان قيمة الانسان بما يحمله من قضايا، وبما يستطيع من تغيير واقعه، فالانسان الذي لا يتحرك ولا يعمل شيئاً، انما هو انسان ميت.
السبيل الى الفكر المسؤول
لا شك ان الفكر المسؤول يفتح امام الانسان ابوابا جديدة وآفاقا واسعة لم يكن يعلم بها أبداً، ثم ان الناس على نوعين؛ نوع يفكر، ونوع يقلد، والفرق كبير بين النوعين؛ فالاول يفكر ويبدع، والثاني ينتظر الاخرين ليقودوه! فقيمة الحياة تكمن في الاكتشاف والابداع والتفكير. من اجل ذلك لابد من اكتشاف السبيل لهذا النوع من الفكر الراقي ثم نتعرف على العقبات التي تحولنا دونه:
1- من اجل ان يكون فكرنا مسؤولاً، علينا ان نحقق الوحدة التي هي مصدر العافية في جسم الامة، وهناك العديد من الشروط والعوامل التي يجب ان تتوفر لكي تتحقق الوحدة بين صفوف الامة الاسلامية ذات الهدف الواحد والستراتيجية الواحدة التي يصفها الرسول الأكرم في الحديث المشهور: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
والحقيقة ان جسمنا يتقطع ولكننا لا نحس بذلك بسبب تفرقنا وتصارعنا وافتقارنا الى الوحدة التي تمثل العامل الاساس الذي يجعل الامة سليمة معافاة، لا وجود فيها للاختلافات والصراعات وسائر الامراض الاخلاقية كالغيبة والنميمة، وهذه هي الامة الواعدة التي تدعو الى الخير وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر.
وهذا لايعني بأي حال من الاحوال إلغاء وتذويب الافراد والجماعات، فحقيقة الاختلاف بين بني البشر لا جدال فيها، وهو يؤكده القرآن الكريم عن خلقة الانسان: "وخلقناكم أطواراً"، لكن المهم هو وحدة العقيدة والهدف والمصير، لذا فان الوحدة الشاملة تأتي بالحقيقة من مجموعة كبيرة من التكتلات الايمانية تحت مسميات متعددة، قد تكون اجتماعية او اقتصادية او مهنية او طلابية وغير ذلك.
2- لغة الحوار
يتكامل التفكير ويصبح مسؤولاً من خلال الحوار الذي يمثل قضية اساسية في حياتنا، علينا ان نضحي بالكثير من الامور في سبيل تحقيقها، ونعني بالحوار هنا القدرة على ان نكتسب علوم الاخرين لنضيفها الى علومنا، لنصنع من ذلك تركيبة علمية متكاملة.
ان لبعض الناس آراءهم الخاصة، وللاسف فانهم يتشبثون بهذه الاراء وكأنها قرآن مُنزل! وفي مقابل هؤلاء يوجد أناس آخرون يتمتعون برحابة الصدر وسعته، فلا يتعنتون وانما يتنازلون عن آرائهم بمجرد ان يثبت لهم خطأها. والى جانب هاتين الفئتين هناك فئة اخرى قلقة في آرائها ومواقفها، متميعة في افكارها، لا تكاد تثبت على رأي واحد، فهي سرعان ما تعدل عن مواقفها السابقة بمجرد ان تتعرض لذم الاخرين. واهم فائدة يمكن ان نكتسبها من جلسائنا، هي التحاور معهم بروح ايجابية بنّاءة، فعلينا ان ننمي قدرة الحوار في انفسنا، لان الحوار المستلزم للفكر المسؤول يفتح امامنا ابوابا جديدة وآفاقا واسعة – كما اسلفنا- وهذا التفكير المسؤول يمكننا ان نكتسبه عن طريق تنمية روح الثقة بأفكارنا، والتكثيف من مطالعاتنا، ومن خلال تنمية الفكر المسؤول في نفوسنا واذهاننا، لان هذا الفكر يمثل بكل تأكيد بداية الانطلاقة نحو التكامل والتغيير والعمل الهادف البنّاء في سبيل تحقيق الاهداف الالهية.
عقبات في الطريق
كما هنالك محفزات وعوامل نشوء الفكر المسؤول، هنالك ايضاً عقبات وعوامل تثبيط بل وحجب هذا الفكر من الذهنية الاجتماعية، منها:
1- تراجع ثقافة المطالعة، وبما ان عصرنا هذا هو عصر العلم، والعلم لا يمكن التعرف عليه إلاّ من خلال المطالعة، علينا اذن، ان نطالع بشكل متواصل ومكثف، ولا بأس بالاستفادة من تجربة الغربيين في هذا المجال، فالشعوب الاوروبية منذ نهضتها كانت تلتهم الكتب التهاما حتى اصبحت المطالعة ملكة ثابتة في شخصياتهم، وخصيصة جلية في سلوكهم اليومي، كما نجد المكانة الخاصة والمحترمة هناك للمكتبات واكشاك بيع الصحف والمجلات، بل نجد الكتب والكراسات حتى في وسائل النقل العامة وفي الاماكن التجارية وغيرها، تشجع جميع الفئات العمرية على اقتناء الكتاب للتزود بالمعارف المختلفة.
2- وتتمثل العقبة الاخرى في شيوع مجالس البطالة والصداقات غير المنتجة، في حين ان علينا ان نحذف هذه الظواهر من حياتنا، وان نكون جديين وشاعرين بالمسؤولية في حياتنا من خلال استغلال اوقاتنا بالشكل الصحيح والمثمر، والكف عن اللهو والعبث، وان كان هنالك نوع من الملل والتعب البدني والنفسي، فلا بأس بالترويح عن ذلك بتداول بعض الحكم واللطائف التي تضمها بعض الكتب التاريخية، وقد حلّها لنا أمير المؤمنين وسيد المتقين عليه السلام حيث قال في حديث جميل: (ان القلوب تملّ كما تمل الابدان بابتغوا لها طرائف الحكمة).
في كل الاحوال فان الشعور بالمسؤولية ليس بالأمر الهيّن الذي يتوفر في كل انسان، الا اذا توفرت لديه جملة من الشروط والظروف التي اشرنا الى بعضها، ولعل من أهمها الأنس والاندماج مع القرآن الكريم وإدمان تلاوته أنّا سنحت الفرصة لاسيما في أول وقت الصباح وقبل الشروع بأي عمل، فان ذلك يعطي صاحبه نوراً وبصيرة تمكنه من العمل بمسؤولية حقيقية طوال ساعات يومه.