قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الإصلاح في وعي النهضة الحسينية
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *حسين محمد علي
عندما نقرأ سيرة الحسين في انطلاقته الكربلائية، فإننا نجد أنّ العنوان الذي كان يحكم مسيرته هو عنوان الإصلاح في أمة جده المصطفى صلى الله عليه وآله... الإصلاح الفكري في مواجهة الانحراف الفكري، والإصلاح السياسي في مواجهة الانحراف السياسي، والإصلاح الاجتماعي في مواجهة الانحراف الاجتماعي.
ولم يتخذ الامام الحسين عليه السلام وضعاً استثنائياً، بل كان الواقع الإسلامي يريد أن ينتفض على السلطة الحاكمة، ولكن لم يكن هنالك الرجل الذي يمثل البصيرة والنفاذ والعزيمة والقوة والشرعية والقيادة بمثل ما وجدت في الحسين (عليه السلام).
نعم... لقد كانت الأمة رافضة لحكم يزيد، وهذا ما عبرت عنه بنفسها بالرسائل التي وصلت الامام الحسين عليه السلام: (... فقد اينعت الثمار واخضر الجناب، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة). كما عبّرت عن ذلك في الثورات التي تلت واقعة كربلاء، وهذه السمة تحديداً هي التي دفعت النظام الأموي لأن يختار شخص مثل (عبيد الله بن زياد) لأن يتولى أمر اهل الكوفة وليّ ذراعهم وكسر شوكتهم بقوة الحديد والنار وايضاً بشراء الضمائر والذمم، فحصل الخذلان يوم عاشوراء.
ونحن نؤكد أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن خياره في هذه المسيرة هو الحرب، بل كان مصلحاً محاوراً أراد أن يرسخ عزة الإسلام ويعيد للمسلمين كرامتهم، وهذا ما تثبته الحقائق التالية:
1 ـ المحاورات التي كانت تدور بين الحسين (عليه السلام) وبين عمر بن سعد حول تسوية الأمور بالطريقة التي لا توصل المسألة إلى الحرب، ولا تفرض على الإمام (عليه السلام) أن يبتعد عن خطه أو أن يخضع للحكم الأموي. فقد حاول الامام اقناع ابن سعد بعدم إطاعة يزيد وسيتكفل بتعويض كل ما سيتكبده جرّاء ذلك.
2 ـ طريقة التعامل التي لاقاها الحر بن يزيد الرياحي مع جنده، وهم مأمورون من قبل النظام الأموي بايقاف قافلة الامام على مسافة من شاطئ الفرات، وهو ماجعل الحر يستغرب من قرار الحرب في حديثه مع ابن سعد، وسأله عن الخصال والمنزلة التي ذكرها الامام، لكن الأخير وبعد ان غلبته شقوته وطمعه قال له: (لو كان الأمر بيدي لقبلت لكن أميرك يأبى ذلك...)!
3 ـ الكلمات والخطابات البليغة والحجج الدامغة التي ألقاها الإمام الحسين (عليه السلام) على جيش الكوفة، والتي تضمنت جملة من المواعظ التي حاول فيها ثنيهم عن سلوك الانحراف والعودة الى جادة الصواب.
عندما أدرك الحسين (عليه السلام) أنّ الحوار قد انتهى إلى طريق مسدود، ولا قيمة للتفاوض واستمرار الحوار ما دامت القضايا الأساسية محسومة للقتال. لذا قال الإمام الحسين (عليه السلام) كلمته المشهورة: (ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك، هيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وجدود طهرت من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
ومن خلال هذه الكلمات المدوّية والحازمة بامكاننا استلهام دروس عديدة من نهضة الامام الحسين (عليه السلام):
1 - التشخيص الدقيق للعدو، إنه على وجه الدقة (الدعي ابن الدعي)، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من هذا التوضيح ليصفع الطاغية أمام الذين غرر بهم.
2 - ما اتخذه الحسين من رفض لا يمثل حالة شخصية. ولذا يعلن (عليه السلام) بكل وضوح موقفه من هذا الخيار الصعب: (هيهات منّا الذلة).
عندما نواجه القضايا الصعبة والشائكة في المجتمع الإسلامي لتحقيق القضايا الكبرى، علينا أن نفسح المجال بداية للوصول إلى نتائج إيجابية ما أمكننا ذلك، ومن خلال الوسائل الموجودة بين أيدينا. لكن اذا أغلقت الابواب أمام السلام، فان خيار القوة والجهاد هو السبيل للحفاظ على الكرامة والقيم والعقيدة. ونحن نلاحظ كهذه تجارب في اكثر من منطقة اسلامية، حيث تواجه الشعوب ضغوطاً واستفزازات وتحديات خطيرة، تحتم عليها الاستفادة من تجربة كربلاء ونهضة الامام الحسين (عليه السلام) الذي لم يكن (رجلاً انتحارياً)، بل كان رسالياً على نهج جده المصطفى صلى الله عليه وآله، فرفض مع ثلة من اصحابه أن يعطي الشرعية للحاكم الظالم، متمثلاً قوله تعالى: "ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار"، لكن هذا التحذير الالهي الشديد، لقي تجاهلاً من أهل الكوفة وكان مصيرهم بالفعل هو النار والخزي في الدنيا والآخرة.