عاشوراء. . دروس لمواجهة الطغيان السياسي
|
* احمد جويد*
قال تعالى (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) الزخرف: (51)
ورد في القرآن الكريم ذكر العديد من الحكام الذين طغوا وازدادوا طغياناً في حكمهم، ومن بين هؤلاء الطغاة فرعون الذي ادعى الربوبية فنادى قومه "فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى" (النازعات: /24)، وما كان فرعون ليجرأ على مثل هذا الكلام إلا لكونه يقدّر تماماً عدم وجود من يستطيع أن يرد عليه كلامه أو يعارضه من عامة الناس: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" (الزخرف/54). هذا الطغيان والتجبر والتمادي لم يقتصر على شخص فرعون وزمانه، بل وجد في العديد من الأزمنة ومن الممكن أن نشاهده في أي مكان أو زمان.
فالطغاة تعميهم رغبتهم في الملك والاستئثار بالسلطة للأبد عن الاهتمام بأي شيء عداها، فيهملون العلم والثقافة وشؤون الرعية أو أي شيء آخر يمكن أن يحرك روح التفكير والنقد أو الرغبة في السؤال عن كيفية إدارة شؤون الدولة والتصرف بمواردها. إن فرعون ونمرود ويزيد وصدام وأمثالهم لم يجدوا من يتحداهم بالاعتراض على أفعالهم أو حتى التفكير بالتصدي لطغيانهم بما فعلوه من جرائم ضد الإنسانية، علماً ان أغلب الطغاة لم يحظوا بدرجة من الذكاء، لكن تركيزهم على جملة من المسائل مكنتهم من الاستمرار فترات طويلة على عرش الحكم، من هذه المسائل:
أولاً: معرفتهم بطبيعة الشعب الذي يحكمونه، فقاموا بتشكيله كيفما أرادوا، فصاروا يخلعون على أنفسهم الصفات والالقاب التي تضع الرهبة في نفوس الناس وتجعلهم يخشون التصدي لسلطانهم، فربما يزعم الطاغية أنه إله يُحيي ويميت ويُنزل البركات و...! كما هو الحال مع فرعون أو يزعم أنه خليفة المسلمين وإمام الامة الذي لا يمكن لأحد الخروج على حكمه كما هو الحال مع يزيد وبني أمية وبني العباس وآخرين أو بطل التحرير القومي والقائد الضرورة كما فعلها صدام... وهكذا القائمة تطول.
الثانية: استشعارهم الخطر من على بعد لأنهم لا يثقون بأحد حتى بأقرب أتباعهم، و يدركون إن بذرة الخطر على حكمهم قد تنبت من اقل ما يثير الخوف والشك ولا يلفت انتباه أي من الأفراد أو المثقفين ولذلك تجد حرصهم الدائم على فض أي تجمع – ماعدا التجمعات التي تزيد من تشرذم المجتمع- أو القضاء على أي شخصية تبدأ الناس في التجمع حوله وتزداد ثقتهم بها لأنهم يخشون من اجتماع الناس على زعيم أو قائد يلهمهم ويحركهم نحو فكرة سامية، وهذا ما فعله عبيد الله بن زياد في الكوفة مع الناس التي بايعت مسلم بن عقيل(ع).
ثالثاً: رفع مكانة ودرجة أشرار الامة والمفسدين وتسليطهم على رقاب الناس وجعل أمور المجتمع بأيديهم، حيث يسعى الطغاة في الانظمة الشمولية والدكتاتورية إلى زرع بذور الفتن بين أفراد المجتمع وإثارة القلاقل من وقت لآخر لكي لا تتوحد كلمة الناس ويظل صفهم منقسما مشغولا بالمشاكل فيما بينهم وتبقى كل جماعة لوحدها ضعيفة تستقوي على الأخرى بالتملق والتقرب إلى الطغاة، وهذا الأمر يتيح للطغاة مزيد من الوقت على عروشهم، وبذلك ترى المصلحين وأتباعهم دائماً خلف قضبان السجون أو داخل زنازين المعتقلات وقد تم تجميد نشاطهم بشكل جذري.
تلك الأمور وضعها بنو أمية نصب أعينهم حينما أرادوا الاستئثار بالسلطة والخروج عن تعاليم الإسلام وتحويل الدولة من دولة المسلمين إلى دولة السلاطين مستترين خلف مسميات دينية مزيفة، فكانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) تمثل صرخة مدوية بوجه الاستبداد والطغيان وتسعى إلى تحرير الناس من استعباد الحكم الأموي وتصحيح مسار الأمة الاسلامية الذي اراد له الامويون مقصداً بعيداً عن الاسلام.
وحينما وجد الطاغية يزيد نفسه أمام مصلح مثل الإمام الحسين (عليه السلام) يحظى بحب الناس والتفافهم حوله، وقد حرك فيهم جرأة التصدي للظلم ورفع صوته عالياً بـ (لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل)، شعروا ان الامور خرجت من تحت السيطرة لتضرب عرش الباطل وتجعل من تلك النهضة الحسينية المباركة مناراً يهتدي به أحرار العالم في مشارق الأرض ومغاربها، وكانت تلك النهضة بمنزلة ناقوس الخطر الذي يقض مضاجع الطغاة أو كل من تسول له نفسه استعباد خلق الله عز وجل في كل زمان ومكان، وهذا ما لم يضعه الطغاة نصب أعينهم رغم اعتقادهم بفطنتهم السياسية بالسيطرة على مقدرات الناس، وما فعله الطاغية صدام جاء على نفس النهج، وسقط في نفس الهاوية.
اليوم ونحن على أعتاب مرحلة جديدة، ما الذي يجب أن نأخذه من نهضة الحسين عليه السلام؟
لقد ترك لنا الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال نهضته الإنسانية ذلك الإرث الكبير الذي يجب أن نسير على هديه، كما ترك لنا الطغاة أيضاً إرثاً سلوكياً يحاول البعض السير على نهجه أيضاً من خلال تمرير بعض السياسات والاجراءات لتحقيق مصالح خاصة، والنتيجة هي العودة بالناس إلى عهد التضليل والظلمات والاستبداد. لذا علينا ونحن نحمل قبس النهضة الحسينية في حياتنا، أن ننتبه ونتفطن لتحركات هؤلاء وسلوكياتهم الخبيثة وأن لا نعود للسكوت مرة أخرى كما يريده الطغاة وأن لا ننسى دماء الشهداء التي أريقت على أيدي الطغاة الذين حكموا العراق لعقود من الزمن.
واليوم على من يريد أن يحافظ على فسحة الحرية في بلده ومجابة المفسدين عليه أن يقف بقوة أمام كل تلك التحديات، ويضع حديث الإمام الحسين (عليه السلام) نصب عينيه حيث قال: (إني لم أخرج أشراً ولا بطرا ولا ظالماً ولا مفسدا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص)).
فكما يتصور من يطغى إنه ذكي يستطيع تفريق المجتمع وزرع الفتنة بداخله تمهيداً للسيطرة عليه، عليه أيضاً أن يفهم إن أبا الاحرار (عليه السلام) لم يضع حداً لنهضته الإنسانية ولم يؤطرها بزمان أو مكان معينين، بل هي نهضة إنسانية لكل الإنسانية وانتفاضة الأحرار لجميع الأحرار على كل الطغاة. (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء).
*مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
|
|