قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
من دروس النهضة الحسينية..
روح الأمل بالتغيير والإرادة الصلبة في الإصلاح
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / بشير عباس
حينما تنعكس آيات القرآن الكريم على بصيرة الانسان وفكره وسلوكه، يكون معتدلا في حياته، يستطيع ان يميز بين الحق والباطل، فلا يقترف ولا يقصّر لوجود الوسطية في طريقه وهي الجادة المسقيمة التي تضمن نجاته وتبعده عن المهاوي والمنزلقات. تصور طريقاً معبداً في الصحراء المترامية الاطراف، فاذا تطرفت يميناً او شمالاً فانك قطعاً ستكون وسط الصحراء حيث لا طريق واضح وهو التيه الذي قد يؤدي الى المخاطر ايضاً، اما اذا لزمت الطريق المستقيم فانك ستصل بأذن الله الى ما تصبوا اليه.
ان القرآن الحكيم يربينا على هذا النوع من التفكير، فحينما نفكر بصورة معقولة، لا يذهب بنا الأمل والتفاؤل الى ان نرى الامور كلها سليمة وصحيحة، ولا تجرنا النظرة السوداوية الى التشاؤم والتوقف بحيث نرى المستحيل في اصلاح الامور، انما لا بد ان نعرف الحقائق كما هي وليس كما نجتهد. وحينما نعرف الحقائق كما هي، نعرف ان في الحياة جوانب ايجابية لابد ان نشكر الله عليها وان نعتمدها ونقف عليها بأقدام ثابتة. وهناك جوانب سلبية لابد ان نسعى من اجل اصلاحها. بل ان نظرة الانسان السوداوية والكاسحة السلبية، تجعل الانسان يفقد الامل ويصيبه القنوط واليأس من روح الله ومن ثم تجد هذا الانسان لا يحر ك ساكنا. وفي الجانب الآخر فان الانسان الذي ينظر الى الامور بايجابية مطلقة، هو الاخر لن يجد حاجة في أن يحرك ساكنا لانه يرى كل شيء بخير، ولعل جانباً من الجبر والتفويض في العقائد الدينية يتصل بهذا الامر، فـ(لا جبر ولا تفويض إنما هو أمر بين أمرين)، كما هو الحديث المعروف عن الامام الصادق عليه السلام.
إن مذهب القدرية والذين قاموا بالجبر، قالوا بان كل شيء مكتوب علينا في اللوح المحفوظ عند الله تعالى، وانه تعالى كتب مقادير العباد فلا تغير في المسألة! لكن هؤلاء بالحقيقة غُلت أيديهم ولعنوا بما قالوا...! لانهم لم يحركوا ساكنا، وكلما قيل لهم تعالوا لنغيّر الواقع، قالوا: ان هذا ما قدّره الله لنا فكيف نغير؟! ومن جانب آخر نجد أولئك الذين رأوا الامور بطريقة اخرى وقالوا: لا باس بالموجود، وأن الامور ليس فيها صح أو خطأ وكل شيء صحيح، فأولئك ربما اخترقتهم الوجودية الفرنسية التي ابتدعها (جان بول سارتر) وآخرون. لكن غاب عن هؤلاء أن هناك حق و هناك باطل، وبالامكان العمل والتغيير والاصلاح.
جاءوا الى رجل وقالوا له: هناك مشاكل في البلاد. الفساد ينتشر. التوجهات الدينية تضمحل و... غير ذلك من الهواجس والمخاطر الثقافية والفكرية، فقال: (سحابة صيف سرعان ما تنقشع)! ولم يحرك ساكنا، ثم جاءوه ثانية وبعد فترة من الزمن، وقالوا له: ان (سحابة الصيف) التي تحدثت عنها تحولت الى سحُب سوداء داكنة، والانحراف يضرب في اوساط المجتمع والناس ينحرفون بسهولة، فما العمل...؟ قال: عجباً...! (اتسع الخرق على الراقعِ)!
الشعائر الحسينية .. فرصة التغيير
في العراق؛ يجب ان ننظر الى الامور بهذه النظرة المعتدلة ونكتشف الايجابيات ونحصيها ونشكر الله تعالى ونعتمد عليها بعد الله تعالى، ثم نكتشف السلبيات ونحصيها ونعمل ونجاهد من اجل اصلاحها وربنا تعالى أمرنا بالاصلاح حيث قال: "لا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها" ومرة اخرى وعلى لسان النبي شعيب الذي كان يخاطب قومه: "... وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (الأعراف /85)، وامامنا الحسين (ع) قال في كلمته المعروفة: (إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي...). إن الاصلاح الذي يشمل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وارشاد الجاهل، يشمل ايضاً الاصلاح القومي والعملي، وبصفة عامة اعادة الامور الى نصابها، إذن، فمن الضروري ان يخوض الانسان غمار الاصلاح، وعلينا جميعاً ان نقوم بهذا الدور الذي رسم خطوطه العريضة الامام الحسين (ع) في وادي الطف. انه عليه السلام انما صار سفينة النجاة، لأن ليس فقط في حياته قام بدور اصلاحي، بل وبعد استشهاده ترك خطّاً عميقاً في الارض لمن يريد المضي في مسيرتة الاصلاحية التي لا تنتهي وتبقى مستمرة حتى يأتي النداء العظيم من عند قبره الشريف ومن قبل الامام الحجة المنتظر عجل الله فرجه: (ألا يا أيها العالَم إن جدي الامام الحسين قُتل مظلوماً).
إن المواكب والهيئات والمنابر وعموم الشعائر الحسينية التي انتشرت في بقاع العالم، و الصرخات المدوية في بلاد عديدة من العالم تنادي (يا حسين)، هي التي تقوم بدور الاصلاح، فهي المسيرة والنهج والمدرسة الاصلاحية هي التي تصلح ما فسد من الامور في الامة. لذا ينبغي ان نتعلم من ابي عبد الله الحسين هذا النهج الاصلاحي، فثمة بعض الناس ينظر الى الامور بسلبية وسوداوية حتى بات بعضهم يقول: (ربّ يوم بكيت فيه فلما اصبحت في غيره بكيت عليه)، انه يصور الزمان في حالة انتكاس وتراجع وكأنه كل يوم أسوأ من ماضيه، ثم يجلس ويتكلم هنا وهناك عن السلبيات كما لو انه يلبس نظارة سوداء لا يرى النور، والبعض بدأ يترحم على الماضي، ويترحم على تلك القبور الجماعية وتلك الدكتاتورية المطلقة رغم آثارها المدمرة، وغير ذلك من مفردات اليأس والاحباط، وهذا النفس السلبي يؤدي الى سخط البارئ عزّ و جل، وهي مسألة غير منطقية وغير اخلاقية، فهو تعالى يعطي النعمة وانت لا تشكر، بل تترحم على النقمة! وهذا يجرنا الى أن تشملنا المعادلة الإلهية في معاقبة الاقوام المتقاعسة بذنوب مجرميها واصحاب الفتنة فيها، وهو ما يحذرنا منه تعالى في الآية الكريمة: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"، فالخشية ليست من هذه النظرة السوداوية الداكنة، إنما من عواقب هذه النظرة التي قد تسبب للمجتمع الانهيار الكامل، والحمد لله فان مجتمعنا لا تسوده هذه النظرة.
التقييم الحقّ
الى جانب النظرة الايجابية التي يجب ان تتوفر عندنا، علينا الاستفادة من الفرص المتاحة في العراق، في مقدمتها (الحرية)، هذه النعمة العظيمة يجب ان تكون وسيلة للاصلاح والعمل من اجل التغيير، وإن لم نستفد من هذه الفرصة والنعمة فانها ربما تضيع ولا تبقى بالشكل الموجود، على سبيل المثال لا الحصر، هناك قناة فضائية (تسبّح بحمد الدولة) من بداية برامجها وحتى انتهائها مساءً، وهنالك قناة فضائية أخرى متخصصة في الحديث عن السلبيات. إن المطلوب هو البحث عن الحقيقة، و ربنا تعالى أمرنا بان لا نقول إلا الحق ونهانا عن الكذب والتهمة والغيبة والنميمة، ربنا يقول: "َلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" (الإسراء /36).
هنا تتضح لنا ضرورة التوازن في الا عمال، وأن لا تكون نظرتنا الى الامور مطلقة وبلا حدود، حتى في العطاء يأمرنا ربنا تعالى ويحدد هذا الجانب سواء في البصيرة او في السلوك: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً" (الفرقان /67)، بمعنى أن على الانسان الموازنة بين حجم العطاء و الحاجة، فربما يكون هنالك فقير بحاجة لبعض العطاء، وربما يكون هنالك ايضاً من هو مبتلى بمرض خطير ويحتاج لعطاء اكثر، وكذلك الحال بالنسبة لتلبية الحاجات الشخصية، فالانسان ينفق على نفسه وعياله ولكن بشكل متوازن، "... وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"، وفي آية اخرى: "... ان المبذرين كانوا إخوان الشياطين". فعندما يكون الانفاق بلا حدود ولا موازين، فانه سيخدم الاهواء والشهوات، لكن حينما ينطلق الانسان في ما ينفقه على نفسه او على الاخرين من عقله و حكمته و تقديره، فانه سيصيب الهدف الأسمى من وراء هذا الانفاق. وإذن، يجب على الانسان في جميع النواحي ان يتسّم بالبصيرة عندما يقيّم الأمور فيكون تقييمه حقّّاً وليس باطلاً، و تقييماً نابعاً من العلم والحكمة والتفكير الموضوعي.
حكومة شراكة لا حكومة محاصصة
بالرغم من الأخطاء الموجودة في العراق، في مقدمتها التأخير والمدة الطويلة التي استغرقتها عملية تشكيل الحكومة، ثم عودة المحاصصة السياسية الى الخارطة السياسية ثانية، إلا اننا يجب ان نبحث عن الايجابيات وعن كوّة الأمل لنتطلع الى المستقبل. فرغم كل ذلك، علينا أن نحمد الله على ما حصل رغم التأخير، وهو تشكيل حكومة شراكة وهو أمرٌ جيد، وبما ان البلد يعجّ بالمشاكل ومليء بالفجوات الكبيرة، فان علينا احتواءها عبر البرلمان او مجلس الوزراء او عبر الدوائر الاخرى حتى نحتوي التناقض ونحوله الى اختلاف في الرؤية ومن ثم تحقيق الهدف المقدس وهو بناء الوطن بصورة ايجابية و سليمة. في نفس الوقت علينا أن نعرف هذه الشراكة اذا تحولت الى محاصصة سياسية وهذه المحاصصة تحولت الى صراعات في داخل البرلمان وداخل الوزارات فانها ستشغلنا عن واجباتنا الحقيقة.
لقد انتظر الناس عشرة اشهر من أجل أن يروا أمامهم حكومة منسجمة تقوم بدور أساس في إقامة العدل و رفع الظلم والحرمان، ولو بنسبة معينة واعادة الامور الى نصابها، فاذا رأوا ان هذه الحكومة عاجزة عن تحقيق ذلك، فسوف يصابون بالاحباط. في بعض الدول القريبة منّا حصلت انتخابات برلمانية، وكانت المشاركة ضعيفة جداً، لان الناس قالوا: (سواء ننتخب او لا ننتخب النتيجة سواء). وعلى السياسيين في العراق أن يحذروا من تفشي هكذا تصور و تكريس هكذا اعتقاد في اذهان الشعب العراقي، وإن تحدث البعض بهذه اللهجة وأظهر هذا الاعتقاد، إلا انه بالحقيقة غير صحيح، لأن يجب على الناس أن تشارك في الانتخابات، وبعد المشاركة يأتي دور المطالبة، ثم يواصلون الطريق مع حكومتهم في الايجابيات وفي السلبيات، فيباركون بالايجابيات ويطالبون بالعمل على مكافحة السلبيات من التسيّب الأمني وتغلغل الجماعات الارهابية ومكافحة الفساد الاداري والاخلاقي، وبالمحصلة؛ يجب ان يكون الناس داعمين لقوانين بلدهم.
بناء الأمة وليس بناء الدولة
يجب ان نحاول تأسيس مجتمع جديد في العراق، والحقيقة فان اساس هذا المجتمع هو بناء الامة وليس بناء الدولة فقط، فقد تعاقبت على العراق حكومات وأنظمة كان همها هو ان تقوي نفسها على حساب الشعب، فهي الحكومة كانت تضع القوانين من اجل عرقلة الجماهير، فالمواطن يذهب كل يوم الدائرة فيرى امامه قانوناً جديداً في الجوازات وفي الجنسية وفي شؤون العمل وغيرها، ومع تعاقب تلكم الانظمة كانت القيود تزداد على هذا الشعب وحريته تصادر تحت مسميات ومبررات عديدة، لكن اليوم والحمد لله تخلصنا من تلك الحقبة المقيتة، فقد صوّت الناس على دستور ليس بالضرورة ان يكون متكاملاً، لكن تأييدنا لهذا الدستور مشروط بأن يكون مرحلي ويجب ان يطبق، وأن يطبق مفهوم الحرية والمشاورة والانتخابات وبالتالي يكون الدور الحاسم والاساس للناس حتى يتمكن الشعب من التحرك، سواء على صعيد الاقتصاد، حيث يتحرك القطاع الخاص، او على سائر الاصعدة.
وغير مرة بينّا لاكثر من جهة بان اساس عمل البرلمان هو وضع القوانين ومراقبة تطبيقها وفق الدستور، لكننا لا نسنّ القوانين بالقدر الكافي فيما الدستور مُهمل، لذا يجب تفعيل هذا الدستور، وهي مهمة البرلمان الجديد، أما الحكومة فمطلوب منها ان تقضي على الفساد بانواعه وان توحد جهودها لخدمة الناس ولا تتحول الشراكة الى صراع داخل الاروقة، فالبرلمان يجب ان يكون بمنزلة بيت للشعب، كل شخص منتخب في هذا البرلمان إنما يمثل الشعب العراقي كله ولا يمثل حزبه او طائفته او جماعته، انه يمثل الشعب كله ويتكلم باسم الشعب ويدعو الى مصالح هذا الشعب.
من هنا يتوجب على الحكومة ان تسعى من اجل توحيد الساحة و الجهود بالرغم من تشتت الاراء والكتل الموجودة داخل مؤسسات الحكم. عليها أن تتجاوز العقبات من اجل مصلحة البلاد، ومنها الثقل الاداري الذي تتحمله والمتمثل حالياً بالاربعين وزيراً، وهذا يعني في الحقيقة أن كل شيء في العراق سيكون مرتبطاً بالدولة وبالجهات الرسمية ولا دخل للناس في شؤونهم، في حين ان الصحيح أن يكون للشعب الدور الفاعل في الاقتصاد بتشجيع القطاع الخاص ويكون دور الحكومة رقابياً وامنياً و وضع الاستراتيجيات الاساسي، وكذلك الحال بالنسبة للأمن، وقد أكدت عشرات المرات و أؤكد ثانيةً بأن الناس يجب ان يقوموا بدورهم في تحقيق الامن في البلاد. طلبت من بعض المسؤولين بأن يوضحوا للناس دورهم وما عليهم فعله، فهم يتفاعلون، وفي كربلاء ذكرت لبعض المسوؤلين خلال موسم زيارة عاشوراء، بان الناس مشغولين بأداء مراسيم الشعائر الحسينية وهذا الحشد الهائل يحمل الكثير من الحماس والاندفاع، لنوظف هذه الحماسة للدفاع عن البلد وأمنه. لماذا لايوجد في وزارة التربية درس للطلاب بكيفية التعامل مع الظروف الصعبة؟ - مثلاً- كيفية التعامل اذا تعرض البلد الى هجوم ارهابي أو تعرّض لأي طارئ يخلّ بالحياة العامة، وتشترك في ذلك الاذاعة و التلفزيون وسائر الدوائر المعنية. هذا الجهد يجب ان يعضده العلماء والخطباء، بان يبينوا للناس ما يجب فعله اذا رأوا وضعاً غير لائق بالمجتمع.
اذا سادت ثقافة المشاركة الجماهيرية في ما يرتبط بالدفاع عن أمن البلد والتأييد والتسديد، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فان الامور ستسير الى خير .