العلمانيون في بلادنا .. إلى أين ؟
|
*حيدر عبد الرزاق الظالمي
العلمانية، ليست فكرة حديثة النشوء، إنما تعود الى زمن بعيد جداً حيث سيطرة الكنيسة والكهنة في أوربا على مقدرات الشعوب وأيضاً على القرار السياسي، هذه الهيمنة الكاملة والثقيلة على النفوس أوجدت طبقة من الامتعاض الشديد والاحتقان في المجتمع، فكانت بداية البحث عن المخرج من هذا الجدار الكبير، وبمرور الزمن ظهر مذهب سياسي يدعو للفصل بين الدين والساسة، أي يجعل رجل الدين وتعاليمه الدينية في أماكن العبادة، فيما يكون رجل السياسة والحكم في مكان السلطة واتخاذ القرار، فظهر في بلادنا مصطلح (العلمانية) منذ مطلع القرن العشرين، وتحديداً بعد انقضاء الايام الأخيرة من عمر الدولة العثمانية التي كانت تمثل الخيمة لعموم البلاد الاسلامية.
لا نريد الخوض أكثر في كيفية تكوّن هذا المذهب السياسي والنمط الغربي في الحكم، بقدر ما نبغي الاشارة الى نقطة مهمة وهي أن المناداة بالعلمانية قد انتشرت في الوقت الحاضر وبشكل مريب ومثير للتساؤل، في بلادنا الاسلامية وبين مجتمعاتنا العربية والاسلامية وهذا ما نلاحظه اليوم في العراق، فهنالك العديد من الجهات تنادي بالعلمانية صراحة ودونما خجل أو وجل من أحد، وتدعو الشباب لتبنّي هذه الفكرة، من خلال ثغرات إدخالها الى أوساط الشباب من خلال ثغرات تنفذ الى هذه الشريحة.
ولكن يبقى السؤال: كيف تأثّر المسلمون بالعلمانية مع إن الاسلام يُعد الدين السماوي الأكمل والأشمل لكل جوانب الحياة المادية والمعنوية؟ وأين المشكلة؟
إن العلمانية اليوم هي ليس العلمانية بالأمس والتي ظهرت في الغرب، حيث أنهم بابتداع هذا المذهب الجديد نجحوا في الحد من سلطة الكنيسة، وإن لم يكن بصورة كاملة، أما العلمانية اليوم فهي على نوعين؛ وهما بالنتيجة يصبّان في مجرى واحد:
النوع الأول: يتصف بالتخريب ويهدف الى تشويش الأفكار وخلق الشكوك والدعوة للتغيير الجذري لكل ما يمتّ للقيم والاعراف في أوساط الشباب المسلم، واستبداله بنمط فكري جديد يكون قريباً الى ذوق الشباب، وفي الوقت ذاته يلائم ما يُعرف بعصر العولمة وعصر الديمقراطية المزعومة.
النوع الثاني: ويتصف بالمصلحية ويحاول اصحاب هذا التوجه، التوغّل بين أوساط الناس من خلال تغيير أفكارهم ومعتقداتهم والوقوف أمام مسيرتهم لتشكيل الدولة الاسلامية التي تسودها المبادئ الاسلامية والاحتكام الى القرآن الكريم، هذا النوع من دعاة العلمنة يجدون في الأجواء الدينية والتزام الناس بالتعاليم الدينية والقيم الاخلاقية، خطراً على مصالحهم الاقتصادية ومكانتهم وسمعتهم، لأن مفاهيم العلمانية والدعوة الى فصل الدين عن نظام الحكم بشكل عام، لن يكون له معنى وسط مجتمع هو ملتزم بالأساس بالتعاليم الدينية.
إذن؛ نفهم أن العلمنة تسير في خطين متوازيين نحو هدف واحد هو فصل الدين ومفاهيمه وقيمه وتعاليمه عن نظام الحكم، لتكون السياسة في جميع ميادينها السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها في وادٍ، وحياة الانسان والمجتمع في وادي آخر، وهم يدعون أنهم لا شأن لهم بالمتبنيات الفردية في المجتمع، ولكلٍ حريته العبادة والفكر، لكن مقاصد ومرامي العلمانية، تنتهي الى فصل الدين عن الانسان أيضاً، بدليل عدم وجود أي غطاء ديني وقيمي من لدن النظام الحاكم، حينها يكون من الصعب على المجتمع لاسيما غير المحصّن بالثقافة الأصيلة، مقاومة دعوات التخلّي عن الدين.
من هنا فالمسألة خطيرة جداً، والوقوف موقف المتفرج يزيد الأمر تعقيداً وخطورةً، ففي العراق توجد بعض العوامل في المجتمع تساعد على انتشار العلمانية وتشجع عليها في أوساط الشباب وخاصة في الجامعات، فالتصدّي لهذا التوجه واجب على كل الجهات والمؤسسات المعنية بالشأن الثقافي في المجتمع الاسلامي.
فيما يلي بعض الخطوات اللازم اتخاذها للوقوف أمام علمنة المجتمع، وذلك في ضوء الاوضاع والظروف الراهنة في العراق:
1- إبراز حقيقة الاهداف التي يخفيها العلمانيون.
2- رصد وجمع المقالات والطروحات الداعية للعلمنة ثم تصنيفها والرد عليها ونشرها بعد ذلك في إطار المناظرة – مثلاً- مع رموزهم.
3- الرد عليهم بشكل جماهيري عام، بالاستفادة من خطب الجمعة والمنابر الحسينية وشبكة الأنترنت والقنوات الفضائية و وسائل الاعلام المتعددة، وتأليف الكتب، والمحاضرات والندوات وغير ذلك.
4- إقامة الأندية الاجتماعية والمؤسسات الثقافية التي تضخ المعارف والثقافة الاسلامية وتبين حقيقة الدين وضرورته في الحياة بشكل عام.
5- انشاء المؤسسات والنوادي الاجتماعية وإعداد الكوادر المناسبة لإدارتها لكي يتعاملوا مع الجماهير ويبينوا لهم مخططاتهم.
6- نشر الوعي الديني في أوساط المجتمع لاسيما شريحة الشباب والاطفال من خلال الوسائل المختلفة.
7- تشجيع الفن والابداع الأدبي الملتزم، والدعوة لكتابة الروايات التربوية الهادفة، لتكون بديلاً عن الروايات التافهة والرامية بالأساس لإثارة الغرائز وتبرير كل الأفعال للنفس الانسانية.
8- التشجيع على المطالعة من خلال فتح مكتبات عامة وفي أوقات مناسبة ولكل الأعمار، وشحن المكتبات بالكتب المفيدة والغنية بالمعارف والأفكار الأصيلة، وبمضامين سهلة الفهم.
9- الاهتمام بالمرأة وإنشاء مؤسسات وكيانات لها من قبيل الاتحادات أو الملتقيات وغيرها، لتكون مكاناً مناسباً تعبر فيها المرأة عن ذاتها وهويتها الدينية، وفي نفس الوقت تتمكن من الرد على اطروحات العلمانيين.
ولاشك أن هناك العديد من الوسائل الأخرى التي من الممكن أن تضع الحدّ وتقطع الطريق أمام هذا الفكر المنحرف والغريب عن كل ما نعتقد به لا بل حتى عن عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية، وكما وقفت الشريحة المؤمنة وخاصة في العراق في الستينات والسبعينات بوجه الحركة الماركسية، فانهارت كل أفكارهم أمام الفكر الاسلامي الأصيل، فان اليوم يحتاج المجتمع أيضاً الى هكذا وقفة أمام العلمانية لإماطة اللثام عن وجهها الحقيقي وأهدافها النهائية.
|
|