قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الدولة البوليسية... بناء هش ونظام قلق
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *عدنان الصالحي
تعرف (الدولة البوليسية) على إنها الدولة التي تمارس فيها الحكومة إجراءات قمعية صارمة ضد المجتمع وتتحكم من خلالها في الحياة العامة للشعب وتتدخل في توجهات المواطنين ومعتقداتهم، وغالبا ما يتم ذلك من خلال شرطة سرية أو مليشيات مقنّعة بأطر رسمية تعمل عادة خارج الحدود التي يفرضها القانون، ويكون المسوّغ - حسب وجهة النظر الحكومية- في اغلب الأحوال وجود تهديد للأمن الوطني أو القومي أو وجود عملاء لدول خارجية، أو محاولات زعزعة النظام وغير ذلك مما ينطلي على الكثير من البسطاء، وتمرر الأنظمة من خلال تلك الأساليب الكثير من السياسات غير المشروعة، مثل قانون الطوارئ او الاحكام العرفية.
ولعل بناء السجون والمعتقلات السرية، من ابرز سمات هذه الدول التي تولي لهذا الجانب اهتماماً كبيراً كونه يمثل الوسيلة الأسهل لاحتجاز وإبعاد من تريد إبعادهم عن ساحة الحياة السياسية أو الاجتماعية، حيث كشف فريق من خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عن تزايد كبير في عدد المعتقلات السرية بمختلف أنحاء العالم وخصوصا في الدول المنتهجة للنظام الشمولي، بدعوى الحرب على الإرهاب.
وفي تقرير آخر لمنظمة (هيومان رايتس ووتش) الذي يحمل عنوان (زقاق في جهنم)، جاء: (إن أُناساً عاديين يتعرضون للاختطاف من الشوارع وينقلون إلى مراكز احتجاز غير قانونية في مثل تلك الدول، وأحيانا تصادر ممتلكاتهم ويتعرضون للضرب وترفض السلطات منحهم أي معلومات بشان الأماكن التي يحتجزون فيها، وتقول المنظمة انها جمعت المعلومات التي وردت في تقريرها من خلال مقابلات مع 38 معتقلا، أجريت في وقت سابق.
لقد واجه العالم في السابق ومايزال، موجات الاستبداد العسكري و(الحكومات البوليسية) التي تنتهج طريق تحطيم النفسية البشرية واستعمارها، واستعباد الإنسان وتركيعه واذلاله، وهو ما يُعد تجاوزاً على الحقوق البشرية جمعاء لان الجزء يُمثل الكل، و يشير المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) الى هذا الجانب في إحدى مؤلفاته: (... يلزم حث المجاميع الدولية كي تقوم بالضغوط الشديدة على كل حكومة تريد ظلم شعبها، ذلك أن الإنسان من حيث هو إنسان لا يرى فرقا بين ظلم أهل الدار بعضهم لبعض وبين ظلم الجيران بعضهم لبعض، وهذا هو ما يحكم به العقل أيضا ولا يجوز في حكم العقل والشرع أن ندع أمثال (موسيليني) و(هتلر) و (ستالين) يفعلون ما يشاؤون بشعوبهم تشريدا ومطاردة ومصادرة للأموال وقتلا للأنفس بحجة أنها شؤون داخلية... فإذا اشتكى أبناء بلد ما عند سائر الأمم كان عليهم أن يرسلوا المحامين والقضاة فإذا رأوا صحة الشكوى أنقذوا المظلوم من براثن الظالم وإذا ما تكاتف بنو البشر فان الطغاة والمستهترين بحياة الناس سيجدون أن لامناص من الخضوع لقاعدة العدل بين البشر).
*ملامح (الدولة البوليسية)
من أجل أن نميّز (الدولة البوليسية) عن غيرها لابد من وجود علائم تدلنا على ذلك، حتّى نتخذ الموقف المناسب دون خطأ إزاء أنظمة حكم كهذه، وليكون ذلك ثقافة عامة عند الجميع. ومن تلكم العلائم:
أولا: رفض التداول السلمي للسلطة وحصر الصلاحيات في شخص فرد أو حزب واحد.
ثانيا: اعتماد الدولة الدكتاتورية على إيديولوجية تبرر بها وجودها وتصرفاتها وتفسر بواسطتها أفكارها وسياسات، وتظهرها على أنها تسير وفق خدمة الأمن العام وأنها المنقذ والمخلّص من أي تهديد.
ثالثا: التركيز على (كاريزما) القائد الأوحد والحزب الواحد وعبارة (زعيم واحد) التي تجعل الحزب كمؤسسة تابعة للفرد، فتقدم وجوده على المجموع وتعكس طغيانه ودكتاتورية في داخل حزبه على الدولة التي يحكمها.
رابعا: احتكار وتسخير وسائل الإعلام في جميع الأنشطة وجعلها مسخرة لأبواق السلطة وناطقه باسمها وهذا يشرح أبعاد سياسات الإلغاء والتهميش للآخرين، فيُسمع الناس ما يشتهي الحاكم ويمنع عنهم ما يريد.
خامسا: إخضاع المؤسسة العسكرية ومفاصل القوة والدفاع، ومؤسسات المجتمع المدني الى منهج الارتباط المباشر بشخصية الحاكم وترجمة سياساته عن طريق استخدام البطش والقسوة والتنكيل.
سادساً: في الدولة البوليسية هناك ديكور للسلطات وبشكل خاص القضائية والتشريعية ولكن يكون واضحا للعيان تعاظم السلطة التنفيذية التي تحظى برعاية خاصة من النظام الحاكم على حساب باقي السلطات الأخرى الأرفع منها دستوريا.
وبديهيا إن ما سينتج في مثل تلك الدول هو تربع المؤسسة العسكرية على مصدر القرار وتضخمها يقابل ذلك ضمور وغياب المؤسسات المدنية مثل جمعيات حقوق الإنسان ومنظمات المجمع المدني، ونتيجة لذلك يكون المجتمع منقاد بطريقة الترهيب والتلويح بالقوة رغم عدم قناعته في اغلب الأحوال.
من هنا فان علماء السياسة والمفكرين يجمعون بان الحكومات المدنية هي الأساس الرصين الذي تبنى عليه الدول المتقدمة، مضافا الى ذلك فان معظم دول العالم تتجه أن تكون دولا مدنية تعتمد الأسس والمعايير القانونية في تنظيم شؤونها وشؤون أفرادها في التعامل أي دولة المؤسسات لا دولة الإفراد، بعد أن تأكد للكثير منهم بان أهم أسس نجاح البلدان هو قيام حكومات تعتمد المؤسساتية قاعدة لها وسندا في تطورها ودوامها.
وما يهمنا اليوم أن تكون لدينا القناعة التامة كجزء من المنظومة البشرية أولا وكعراقيين ثانيا بان الزمن سيلفظ أي جهة او حكومة تقوم على الفكر البوليسي كما لفظت أمثالها سابقا وان لا مجال إلا لحياة مدنية وتعددية قائمة على مبدأ الانتخاب الحر والتداول السلمي للسلطة.
*مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث