العنف أساس التخلّف
|
*اعداد / أنور عزّالدين
لاشك في أن الإنسان يضم في دواخله بذرة للشر ومثلها للخير، وجل ما يعانيه الإنسان في حياته، متأتٍ من مدى قدرته على تدعيم بذرة الخير، وتغليبها على بذرة الشر التي تسندها نوازع العنف والميل للنزاعات، وتفضيلها على الحكمة والتوازن في التعامل مع شؤون الحياة.
ويبقى الميل الى النزاعات وأشكال العنف كافة، حالة مرضية تشكل جانباً من رؤية الإنسان وسلوكه، الأمر الذي يوسم الشخصية بهذا الوسم المتمثل بطبيعة تعامله مع الآخرين، يقول الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في كتابه (فلسفة التأخر): الجنوح إلى النزاع والاختلاف نوع مرضي في النفس، وانحراف في الذات، فإذا قال الناس: الطريق إلى بلد كذا من الشرق، قال: كلا... بل من الغرب!
هذا يعني أن بذور الخلاف مزروعة في الذات، فهل يعني هذا عدم القدرة على التخلص من سطوتها؟
إن الميل للعنف يعد نزعة من النزعات في النفس الانسانية، لكن بالتلقين والتعليم والنصح والتجربة تساعد صاحبها في عملية معالجة هذه النزعة والتخلص من الصفة السيئة كلياً، ويشير الإمام الشيرازي (قدسر سره) الى ذلك في هذا المؤلف قائلاً حول هذا الموضوع: (لاشك أن في الإنسان حالة العنف، لكن يمكن إزالتها بالتلقين والإيحاء والتمرين، قبل ان تكون ملكة وطبع من طباعه، ولا يخفى أنه لا ينفع العنيف الاعتذار، فإنه قد يرفع شدّة الأثر السيئ، لكنه لا يرفع أصل الأثر، ثم لماذا يفعل العاقل ما يحتاج إلى الاعتذار؟)
إن القاعدة السليمة تشير الى أن العنف هو وسيلة من وسائل التسلط بكل أنواعه ودرجاته، ولذلك فإنه يشكل الأسلوب الأوحد لمن تتملكه حالة الطغيان، سواء كان حاكماً سياسياً أم مديراً أو مسؤولاً في مكان ما، بل وحتى أرباب العوائل وكل المتجبرين الذين يجدون العنف وسيلة وأداة لفرض شخصيتهم وافكارهم والتسيّد على الآخرين، لهذا يقول الإمام الشيرازي في هذا المجال: (من فلسفة التأخر الجنوح إلى النزاع، فإن بعض الناس يميلون إلى المشاكل والاختلاف مع الآخرين في الصغائر والكبائر، وفي كل أبعاد الحياة). بمعنى ان ظاهرة العنف المنتشرة في اوساطنا، هي علّة التخلف.
وغالباً ما تقدم لنا الحياة شواهد ماثلة لمثل هذه النماذج المخالفة، سواء على مستوى القادة أم الأفراد العاديين، حيث تمثل ظاهرة التعالي على الآخرين بذرة أولى من بذور التسلط الذي سينمو ويصبح أداة قاهرة للآخرين تنميها نوازع العنف المتنامية في النفس الخالية من المراقبة والتهذيب، فالكبر ملكة سيئة أيضاً تنمو مع نمو قدرات الإنسان الذي لا يراقب نفسه ولا يحتاط منها، فتدفع الى تنمية نوازع التسلط وحب السيطرة وفرض الأوامر المجحفة على الآخرين، في هذا الصدد يقول الإمام الشيرازي بكتابه القيّم نفسه: (ومن فلسفة التأخر، الكبر، بأن يرى الإنسان نفسه كبيراً، ويترفّع على الآخرين).
ولكن في معظم الأحيان لا يتنبّه الإنسان المتكبر والعنيف الى طبائعه التي تقوده الى الظلم غالباً، ومثلما أنه لا يهتم بهذا الأمر فإنه في الوقت نفسه لا يعرف مدى الأضرار التي يلحقها العنف ونوازع الشر في ذاته، إذ يقول الإمام الشيرازي بهذا الصدد: (إن العنيف في قول أو كتابة أو فعل، إنما يضر نفسه قبل أن يضر غيره).
وبهذا فإن ما ينعكس من أفعال العنف وظلم الآخرين من فوائد قد تصب في زيادة الغرور والتكبر والتعالي على الآخرين، ستقود الفرد العنيف الى نتائج ربما لم يحسب حسابها، بل بين أيدينا الكثير من طغاة التأريخ قرأ بعضهم تجارب البعض الآخر وعرفها لكنه لم يهضمها على النحو الصحيح وبذلك فإن سمة الطغيان بقيت تتجدد على مر الأزمان بين البشر، بل حتى بين الذين يدّعون الإسلام.
وثمة من يرى أن المجتمعات الإسلامية هي أكثر التجمعات البشرية تفضيلاً أو استخداماً للتعامل العنيف، وأكثر المجتمعات تداولاً لظلم السلطات بأنواعها الحكومية والعائلية وغيرها، مع أن الإسلام كمبادئ وتعاليم وقيم أول من حث على السلام، وطالب بتقديمه على جميع الأساليب التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم من جهة، وعلاقات الأفراد فيما بينهم من جهة أخرى. يقول الإمام الشيرازي في هذا المجال: (اللاعنف هو شعار الإسلام قبل أن يتخذه غاندي شعاراً).
لذلك يبقى العنف وكل العوامل المساندة له عاملاً حاسماً من عوامل فلسفة التأخر وثباته في الشعوب الأكثر تداولاً للعنف، وطالما أننا ننتمي الى الإسلام الذي يحث على السلام ومناهضة العنف بكل أشكاله، فإننا الأولى بانتهاج التسامح والتعايش والتعاون لبناء الحياة المثلى التي تليق بكرامة الإنسان وإنسانيته.
*المصدر: (شبكة النبأ المعلوماتية)
|
|