ملوك بلا صولجان
|
*طاهر القزيني
هل تريد أن تصبح ملكاً دون كرسي وصولجان؟! وهل تريد أن تصبح سلطاناً دون أن تظلم أحداً؟! وهل تريد أن تكون أميراً دون أن تقاتل الآخرين وتحاربهم من أجل ذلك؟!
ربما لا أحد يصدق أن يصبح المرء ملكاً أو أميراً أو حتى مديراً عادياً دون أن يظلم أحداً أو أن يتعب نفسه التجاوز على هذا أو أكل حقوق ذاك.
لكنه نعم، يمكن ذلك! من خلال الإحسان للآخرين، فالاحسان يجعل الآخرين مدينين لك، يقدمون لك الخدمات ويحاولون أن يلبوا رغباتك مهما كانت، ويطيعونك في كل شيء تطلب منهم، وتصبح بالنسبة إليهم كالسلطان والملك، وهذا الكلام ليس من قبيل الانشاء او الوعظ من دون دليل، إنما له أصل وأساس في أحاديث و روايات الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم)، فأمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (الاحسان يستعبد الانسان)، وقال ايضاً: (بالاحسان تُملك القلوب) وقال (عليه السلام) ايضاً: (احتج إلى من شئت تكن أسيره واستغن عمّن شئت تكن نظيره، وأحسن الى من شئت تكن أميره) بحارالانوار، ج77/ ص421.
وهناك عدد كبير من الأحاديث في هذا المجال، وقد اقتصرنا على باقة منها للتأكيد على أن الإنسان يمكن أن يصبح ملكاً وسيداً وسلطاناً للقلوب من دون الكرسي والصولجان.
والفرق بين مملكتك ومملكة السلاطين، ان هؤلاء يملكون الناس بالحديد والنار، وأنت تملك الناس بإرادتهم، فهم يملكّون أنفسهم لك من دون حتى أن تطلب منهم ذلك، وهذه هي مملكة القلوب وهي أعظم مملكة، ونستخلص بعض النتائج من الذي اوردناه آنفاً، ونعرف بالتحديد كيف يصبح المحسن أميراً:
1- المحسن مُعان.. فهو بمجرد أن يطلب المساعدة لأي نوع منها، فأن الآخرين سيلّبوا طلبه على وجه السرعة.
2- المحسن حيّ.. لأن ذكره باقٍ عند الناس حتى وإن إنتقل إلى عالم الآخرة، فهم يذكرونه ويذكرون أفعاله الحسنة.
3- المحسن مستأنس.. ففضلاً عن الراحة النفسية والداخلية التي يشعر بها، يسعى الذين حوله أن يدخلوا الفرحة والسرور إلى قلبه ويتألمون لحزنه ومصيبته ويفرحون لفرحه.
4- إن الله مع المحسن.. قال رب العزة: "إن الله لمع المحسنين" (العنكبوت/ 69)، وهل يواجه الفشل والاخفاق من كان الله معه؟
5- المحسن محبوب: وقد قال الإمام علي (عليه السلام): (سبب المحبّة الاحسان) وقال عليه السلام ايضاً (من كثر احسانه أحبه اخوانه).
6- المحسن مخدوم.. فكل الناس يريدون أن يقدموا خدمة للمحسن حتى يعوضوا شيئاً من احسانهم، يقول الإمام علي عليه السلام: (من كثر احسانه كثر خدمه واعوانه).
ومن يقرأ الأحاديث التي وردت في الاحسان يندهش للصورة التي يقدمها الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم لصاحب الفضل والاحسان، ويحاول الامام أميرالمؤمنين عليه السلام أن يقرّب صورة الاحسان إلى أذهاننا فيصوره بأروع ما يكون ويقول: (لو رأيتم الاحسان شخصاً لرأيتموه شكلاً جميلاً يفوق العالمين).
لكن هناك من لايحب هذه الصورة ولايرغب أن يرى وجه هذا الاحسان ولايريد أن يكون من المحسنين فهل يحق له ذلك؟
بالطبع لايحق له ذلك لأن الله عزّ وجلّ سيقول له: "أحسن كما أحسن الله اليك" (القصص/ 77)، فليس من المعقول أن يرفض الاحسان من هو معتمد على إحسان الله إليه، فمن لايؤمن بالاحسان إلى الناس يجب أن يخرج من مملكة الله لأنه لايستحق هذا الإحسان، وهو بلاشك مطرود من مملكة الله وسرعان ما سيجد نفسه قد خسر كل شيء في الدنيا والآخرة.
وهل تعرف من هم أكثر الأفراد الذين يتوجب الاحسان إليهم؟
يجيب الإمام علي (عليه السلام) عن هذا السؤال ويقول (أحق الناس بالاحسان من أحسن الله إليه وبسط بالقدرة يديه)، فهؤلاء الفئة من الناس هم أكثر الأفراد مسؤولية تجاه الإحسان، لكنهم في حقيقة الأمر ليس جميعهم الذين يحسنون للآخرين.
ذلك أن الاحسان هي سمة الأخيار، وليس كل الناس هم كذلك، فمن كان من الأخيار يصبح من المحسنين، ومن لم يكن من الأخيار فهو بلاشك لايحسن للآخرين، ويقدم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أقوى وأفضل تفسير لذلك وهو بلاشك تفسير علمي يقول: (الإحسان غريزة الأخيار، والاساءة غريزة الأشرار)، فهذا الرجل لايفهم المسألة على أنها حقوق و واجبات، بل غريزة الشر التي في داخله لن تسمح له بالاحسان إلى الآخرين، بل بالعكس هو يسيء للآخرين ويفتخر بالإساءة إليهم ويعدها نصراً له، لكن الله عزوجل يجيبه ويقول له بأن إساءتك ستعود عليك: "إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا" (الاسراء/ 7) فلابد أن تعود تلك الاساءة إليه، وقد جاء في صفحات التاريخ أن معظم الذين أصبحت الاساءة جزءاً من طينتهم، لاقوا جزاء السوء في الدنيا قبل الآخرة وكان آخرهم الطاغية صدام الذي ذاق من نفس طعم الكأس الذي أذاقه المستضعفين والمؤمنين.
فالمسيء يلقى جزاء إساءته في الدنيا قبل الآخرة، وهذا الشيء ينطبق أيضاً على المحسن ودليلنا على ذلك هو القرآن الكريم الذي يقول "لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ" (النحل/ 30) وآية أخرى "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ" (الزمر/ 10) فهؤلاء كما يذكر رب العزة يحصلون على جزء من أعمالهم الحسنة في الدنيا والأغلب أو الجزء الأعظم يحصلون عليه في الآخرة "ولدار الآخرة خير".
|
|