بصائر... قبسات من رؤى ومحاضرات سَمَاحَة المَرجِعِ الدّيني آيةِ اللهِ العُظمى السّيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسِي
مسؤولية الكلمة في حمل رسالة الحسين الى القلوب
|
*إعداد / علي جواد
كيف نجد اليوم وكل يوم واقعة الطف حيّة نابضة بالألم والأسى والعِبر والمفاهيم الشاملة لكل جوانب الحياة؟ وبمعنى آخر، لماذا لم تكن هذه الواقعة مثل أي واقعة مأساوية وملحمية أخرى تترك أثرها الآني ثم تطوى بين صفحات التاريخ؟
إن المأساة انتهت بسفك أزكى الدماء، وسبي أطهر النساء، وفاجعة لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ، لكن بدأت من بعد ذلك اليوم مسيرة جديدة، لان هذه المأساة تحولت مع الزمن الى مسيرة، وهذا المسيرة تحولت الى حقائق راسخة توغلت في عمق الانسان حتى اصبحت جزءاً منه وكأنها من سنن الكون.
ولكن من الذي قاد هذه المسيرة بعد يوم العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة ؟
قبل أن نسلط الضوء على جوانب من المهمة الكبيرة والتاريخية التي حملتها العقيلة زينب (عليها السلام) ومعها الامام زين العابدين (عليه السلام) لنشر الثقافة الحسينية بين المسلمين، وما أعقب ذلك من تردد أصداء هذه الرسالة في الآفاق، يجدر بنا الاشارة الى إن الدور الثقافي والاعلامي لم يبدأ بالحقيقة من اليوم الحادي عشر من محرم، أو ما بعد الواقعة، كما هو السائد، وإن كان التبلور والقوة من سمات تلك المرحلة، إنما كان مواكباً لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ضد الطغيان والانحراف، وكلّنا يعرف ان الثقافة هي عصب الثورة، وعلى قاعدة التوحيد والايديولوجية تبنى وتنطلق الثورات، ولولا ايمان الثائرين الذي يدفعهم الى التضحية من أجلها و وجود فلسفة الشهادة في الامة الاسلامية، إذن لما وقعت تلك الملحمة البطولية ظهر العاشر من محرم، ولما سجل التاريخ تلك المواقف بأحرف من نور للأجيال الطامحة للحرية والسعادة، ثم لما كانت الثورات ممكنة الحدوث بعد ذلك، لذا نجد الإمام الحسين (عليه السلام) لم يتوقف عن الخطاب والتذكير والاستنهاض تحت الساعات الأخيرة قبل تشابك السيوف والرماح بين معسكر الحق ومعسكر الباطل.
ومن المفردات الثقافية التي بذرها الإمام الحسين في النفوس المؤمنة هي: إن الدم ينتصر على السيف، وهي صورة مبدعة لمفهوم التضحية والفداء في سبيل الله تعالى، وهو القائل لعباده المؤمنين في كتابه المجيد: "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (التوبة/ 111).
*إعلام عاشوراء
موكب السبايا من آل بيت رسول الله من كربلاء الى الكوفة ومنها الى الشام، وكل ما رافق ذلك من لواعج ومعاناة، شكّل أول جهاز اعلامي لملحمة عاشوراء، فقد كانت خطب السيدة زينب والإمام السجاد (عليهما السلام)، تلهم أهل الكوفة وكل من يتفاجأ بهذا الموكب المثير، دروس الثورة على الطغيان والانحراف والعودة الى الذات لاصلاحها وتنزيهها، واستمر حمل هذا اللواء حتى النفس الأخير، لذا نجد بركات تلك الجهود العظيمة في الثورات والانتفاضات التي عمّت الامصار وهزّت عروش الظالمين، انطلاقاً من الكوفة وبسيوف التوابين ثم نهضة المختار والانتقام من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)، وبعدها ثورة زيد بن علي (سلام الله عليه)، والثورات التي شهدتها الشعوب على مر التاريخ حتى تحولت تلك الصرخات الزينبية الى مفردات في الثقافة الحسينية تتداولها الاقلام والالسن وتحملها القلوب.
إن أهم درس في الاعلام الزينبي هو إن السكوت على الانحراف والطغيان بمعنى التصويت لصالح المنهج اليزيدي، وكل ظلم يرتكبه الظالمون يكون الساكت عليه شريكاً في هذا الظلم، حتى وإن ادعى الايمان والتشيّع، فاذا يظلم أحد من قبل حاكم ما بصورة مادية، فان المجتمع الصامت والمتخاذل سيظلمه معنوياً، أو لنقل سيقتله معنوياً وينفيه من كونه انساناً له حقوق وكرامة وحرمة.
وهذا ما جعل أهل الكوفة وحتى أهل الشام البعيدين كل البعد عن أهل البيت، يعودون الى ذواتهم ويشعرون بالندم على ما فعلوه، ففضلاً عن التقريع والتأنيب الذي مارسته العقيلة والامام السجاد (عليهما السلام)، في خطاباتهما اللاهبة خلال مسيرة السبي، فقد عرّفوا انفسهم ونسبهم وصلتهم بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وبذلك أماطوا اللثام عن الوجه القبيح للحكم الأموي الجائر المتلبس بلباس الاسلام، ومن أبرز الشواهد الصارخة على قوة الدور الاعلامي الزينبي، ما دار بين يزيد وبين أحد جلسائه الذي طلب منه أن يهب له إحدى بنات الامام الحسين (عليه السلام)، ظناً منه بان السبايا من الخوارج أو من (الترك والديلم) متأثراً بالدعاية الأموية، فاسقط في يد يزيد واصيب بالحرج لعلمه بأنه عاجز عن ذلك، فاراد صرفه عن طلبه، لكنه ألحّ في الطلب، هنا ارتعبت الصبية ولجأت الى عمتها زينب، فهدّأت من روعها وقالت: لا تخافي ليس بإمكان يزيد فعل ذلك، فسمع اللعين الكلام، فحاول عبثاً المكابرة وقال: إن ذلك لي!! فقالت : كذبت وأثمت، إلا أن تخرج من ديننا وتدين بغير ديننا، عندها عرف ذلك الرجل الحقيقة وكشف الزيف فقال ليزيد: قبحك الله، تدعي أن هؤلاء سبايا الترك والديلم وهم عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم نهض من مكانه محتجّاً عليه بعنف، فأمر يزيد بأن تضرب عنقه فقتل في الحال ليكونن شهيد الحقيقة.
سفينة الحسين (عليه السلام)
قد نسمع ونقرأ ما جرى خلال السبي في الكوفة والشام من تقريع ولوم شديدين على لسان أهل البيت (عليهم السلام)، لكن في نفس الوقت، يجب أن نعلم إن الرسالة التربوية كانت من صميم ذلك الخطاب الاعلامي الزينبي الصادح الذي كشف زيف النظام الأموي أمام عامة المسلمين، فكانت الثورات والانتفاضات وفتح الصفحة الجديدة للتاريخ، وهي الثورات التي انطلقت أول الأمر من النفوس والضمائر التي أيقظتها تلكم الخطب اللاهبة والمدوية في الكوفة.
إن الاسلام لا يريد للانسان أن يخضع قسراً لرسالة السماء، إنما يريده أن ينتمي الى الرسالة وينمي فيه الإرادة والعزم والوعي لكي يصل بوعيه وبفكره وبارادته الى مستوى الايمان بالرسالة، وهذا ما يريده تماماً أهل البيت (عليهم السلام)، ولذا نجد ان جميع الذين يرفعون لواء الإمام الحسين مطالبين بحقوقهم من الحكام الظالمين على مر التاريخ لم يطلبوا السلطة والحكم، إنما يريدون استعادة حقوقهم وكرامتهم، وما نعيشه اليوم يؤكد هذه الحقيقة بجلاء، حيث إن شيعة أهل البيت ورغم ما لحق بهم من الظلم والتنكيل وبأعنف الوسائل واكثرها وحشية، إلا انهم لم يأخذوا صبغة الآخرين من الارهابيين والقتلة والغدارين، بل تمسكوا بطابع المظلومية والحقانية، فيما بقي الجانب الآخر معروفاً بتمسكه باسلوب العنف والدموية.
وهذه الميزة تحديداً هي التي جعلت الشيعة الآن محط أنظار العالم، بل ودفعت بالكثير للالتحاق بسفينة الحسين (عليه السلام)، سواء أكان من المذاهب الاسلامية أم حتى من الاديان الاخرى، ولعل هذا يكون مصداق الحديث الشريف عن أحد الائمة: (كلنا سفن النجاة.. وسفينة الامام الحسين أسرع، كلنا باب النجاة وباب الامام الحسين أوسع)، وحديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)، ومعنى الحديث ان الامام الحسين (عليه السلام) يتميز بانه يفتح المجال واسعاً أمام كل صاحب ضمير حيّ حتى وإن كان على غير طريق الهدى والصلاح، فبامكانه اللحاق بسفينة الحسين ليستدلّ بها على طريق الهداية والرشاد.
وهنا نعرف أكثر فلسفة عاشوراء والسبب فيما حمل الإمام الحسين (عليه السلام) على اصطحاب أولاده وأهل بيته وحتى طفله الرضيع ليواجه به الظلم في كربلاء ويقتلون جميعاً على رمضاء كربلاء ؟
إن الاجابة على ذلك تتلخص في أن الامام الحسين (عليه السلام) لم يعلّم الناس كيفية حمل السيف، إذ ان حمل السيف وأي سلاح آخر أمر بسيط لأي انسان، إنما البطولة في حمل الوعي والثقافة الحسينية والرسالية، ليرتفعون بها الى المستوى الذي يمكنهم من مواجهة الانحراف والظلم بكل شجاعة وعزم كما فعل أصحابه الابطال الذين نقف أمامهم اليوم ونقول: (ياليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً).
الأدب حاضنة الثقافة الحسينية
لا يماري أحد في الدور الكبير للشعر والقصة وسائر المواد الأدبية في نقل الملحمة الحسينية الى الاجيال، وقد وجد الشعر تحديداً في واقعة الطف كلما يبغيه من صور ومواقف ومشاعر، فنجد الشعراء منذ الايام الاولى للواقعة وحتى اليوم و الى يوم القيامة يتقربون الى هذا الوهج الصارخ بالإباء والكرامة، بكل ما يجود به يراعهم من التعبير عن الواقعة كل من زاويته ونظرته للحدث، وأول شاعر أذاع الفاجعة بتشجيع وتوجيه مباشر من الإمام السجاد (عليه السلام)، هو بشر بن حذلم، الذي ثبت اسمه في التاريخ عندما نعى الامام الحسين لأهل المدينة قبل دخول الامام وأهل بيته مدينة جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وهنا نكون أمام المقياس الواضح الذي يميز الشعر الحسيني الهادف من غيره، ولن يكون الموقف غامضاً اذا تلونا الآيات الكريمة من سورة الشعراء لتتضح لنا جميعاً الصورة، يقول تعالى: "هل أنبئكم على من تنزل الشياطين*تنزل على كلّ أفّاك أثيم*يلقون السمع وأكثرهم كاذبون*والشعراء يتبعهم الغاوون*ألم تر انهم في كل واد يهيمون*وانهم يقولون ما لا يفعلون*الّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
إن الشعر سلاح ذو حدين، والقرآن يقول الشعراء قسمان:
أولاً: الذين يعوضون بالكلمة عن الفعل ويتيهون في وادي الخيال ويتبعهم الناس الذين لا هدى لهم، وهؤلاء يذمهم القرآن الحكيم ويسمي شعرهم بالإفك ينطلق من وحي الشيطان.
ثانياً: الشعراء المؤمنون الذين يعملون الصالحات ويكون سلوكهم سلوكاً صالحاً. ولكن هل هذا يكفي؟
يقول القرآن الكريم الشعراء: الحقيقيون هم الذين ينتصرون من بعد ما ظلموا، أي ان الشاعر الحقيقي هو الذي يحمل قضية المظلومين، ويجيّر شعره من أجل قضية الانسان، فهذا هو الشاعر الذي يمدحه القرآن الكريم.
فمن خلال التاريخ، ومن خلال هذه الآية الكريمة نستوحي ان من يستطيع أن ينطق ويقول شعراً، أو يلقي خطاباً، أو يؤلف كتاباً على طريق الحسين، لابد أن يصطدم في بداية عمله بعقبات اجتماعية وأخرى سياسية، ومن ثم عقبات اقتصادية، فاذا أفترضنا ان احد المؤلفين كتب كتاباً بكل ما يراه حقاً، ثم نشر هذا الكتاب، فمن الطبيعي ان الآخرين لا يرون رأيه مما يدفعهم الى معارضته.
وليس كل من كتب الشعر في القضية الحسينية نهج منهج الحق في حياته ونصر المظلومين، كما ليس كل الذين حملوا راية (يا لثارات الحسين) كانوا حقاً من أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)، فهنالك دوافع المال والسلطة والجاه والشهرة و... غير ذلك، فقد كتب الكثير حول واقعة الطف، لكن نجد أبيات وقصائد من شعراء ظلت تتداولها الألسن وتحفظها الأجيال، لما تحمله من معانٍ صادقة ودلالات كبيرة و واسعة، وليس أدل على بيت الشعر نظمه الشاعر الكبير محسن أبو الحبّ في الامام الحسين، وحتى اليوم يظنّ الكثير إنه قول للامام الحسين (عليه السلام) نفسه!!
إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني
إن الشعراء الحسينيون الذين حملوا جراح الإمام وقضيته الرسالية على مر التاريخ كانوا يكابدون شظف العيش، وينامون على الرمال، ويهيمون على وجوههم في الصحراء حتى لا يبيعوا القضية الحسينية للحاكم الظالم.
فالفرزدق الذي يُقال عنه أنه من الشعراء الأمويين كان بالحقيقة من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) وكان والده أيضاً من أصحاب الامام علي (عليه السلام)، هذا الرجل مرّ بالامام الحسين(عليه السلام) وهو يسير باتجاه مكة، فقال له: ياابن رسول الله.. الى أين تذهب؟ قال: الى الكوفة، قال: ياابن رسول الله لا تذهب الى الكوفة، لانهم لن يستقبلوك، قال الامام: كيف تركت الناس؟ قال: ياابن رسول الله (قلوبهم معك وسيوفهم عليك).
كانت الرسالة واضحة، بل ما عند الإمام الحسين (عليه السلام) سابق على هذا، فواصل الامام طريقه الى الكوفة، وكان قلب الفرزدق معه حيث بقي فترة طويلة يراقب قافلة الامام الحسين (عليه السلام) وهي تتجه الى الموت، قبل أن يبتلعها غبار الصحراء وبقى أثر تلك النظرات في قلبه حتى انفجر شعراً في وجه النظام الاموي، وفي مكة المكرمة وعند البيت الحرام وفي مدح الامام زين العابدين (عليه الصلاة والسلام) في قصيدته المشهورة التي أطلقها سهاماً بوجه الحاكم الأموي هشام بن عبد الملك، والتي لم تنطلق من حنجرة وقلب شاعر إلا أن يكون ذا أرضية ايمانية صلبة:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابـن فاطمة ان كنت جاهله بجـده أنبياء الله قد خـتموا
وعندما انصرف الناس وذهب الفرزدق ارسل اليه الامام بهدية، فرفض أن يأخذها وقال للامام السجاد (عليه ا لسلام): لم أمدحك طمعاً في المال، إنما غضباً لله تعالى.
وبما إن الشاعر كان في تلك الأيام لسان المجتمع والوسيلة الاعلامية للحاكم، فأي موقف يصدر منه يترك أثراً بالغاً في الأجواء السياسية والاجتماعية، لذا واجه الغضب والحنق من الحاكم الأموي، فتحمل مسؤولية شعره، وذهب راضياً الى السجن، وهذا هو الشاعر الذي انتصر من بعد ما ظلم، كما يقول الله سبحانه وتعالى، وهكذا دعبل الخزاعي تراه يهيم على وجهه في الصحراء عدة سنين وهو يحمل خشبته على كتفه، فجاءت مجموعة من اللصوص وسطوا على قافلة دعبل الخزاعي، وهم يرتلون أشعاره بعدما سرقوا كل ملابسه وأمواله، وسألهم ما هذه الاشعار التي تقرأونها؟
قالوا هذا شعر الشاعر العظيم، شاعر المحرومين شاعر المستضعفين دعبل!، قال أتعرفون دعبل؟ قالوا: لا. قال: أنا دعبل! قالوا: لا نصدقك، فجاءوا به الى رئيسهم، فلما كلمه عرفه واعتذر منه.
وقد عرف دعبل بتائيته الشهيرة التي قرأها أمام الامام الرضا (عليه السلام)، وتضمنت مصائب ومظالم أهل البيت (عليهم السلام)، فتحولت الى مجلس عزاء استدرت دموع الإمام الذي هو الآخر كان يعيش الغربة والاضطهاد لكن من نوع آخر وفي ظروف مختلفة.
ولسنا هنا بصدد استذكار الشعراء الذين استلهموا الصور الشعرية والمعاني والدروس من ملحمة الطف لأن القائمة طويلة جداً، ولمن يشاء هناك مؤلفات بهذا الشأن، بقدر ما يهمنا حمل راية الحسين (عليه السلام) على محمل القلب والضمير، فما يخرج من القلب يدخل أهلاً وينزل سهلاً في القلب، لكن ما يخرج من اللسان لا يتعدى الآذان، كما هو الحديث المأثور، إذن كبيرة جداً هي المسؤولية الاعلامية والثقافية في أيام شهري محرم وصفر، إذ لم يبق من واقعة الطف والإمام الحسين إلا الكلام المكتوب والمسموع، فأول مهمة ومسؤولية علينا هي أن يتحول هذا الكلام الى منهج عمل على الأرض، وليس فقط مجرد ذكريات وطقوس وأجواء نعيشها لفترة معينة ثم تنقضي ويذهب كل واحد منّا الى حيث أتى ويعود الى ما كان عليه، إنما يجب ان تكون المناسبة فرصة للتجديد، في البيعة والولاء، وفي السلوك أيضاً، وصدق الشاعر المرحوم علي محمد الحائري حيث قال:
كذب الموت فالحسين مخلّد كلما أخلق الزمان تجدد
|
|