بسبب الابتعاد عن نهج الرسالة الاسلامية
الأمة الاسلامية أمام اختبار القوة والضعف
|
*طاهر القزويني
لو قلت لك بان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث لك برسالة، ماذا يكون رد فعلك؟ واذا قلت لك إن هذه الرسالة هي بين يديك فماذا كنت ستفعل برسالة النبي (صلى الله عليه وآله)؟ هل كنت ستعمل بما جاء بتلك الرسالة؟
لقد بعث الينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) رسالة لكل واحد منا نحن المسلمين وذلك من خلال القرآن الكريم، و الكلمات والاحاديث التي وصلت الينا عن طريق الرواة الذين نقلوا لنا احاديثه الشريفة ولاسيما تلك الرسائل التي تتضمن التحذير من امور ستحدث في عالمنا وقد اراد رسول الله ان يوصل لنا رسائل بخصوصها حتى نحذرها ونمنع وقوعها.
ولابد ان نعرف بان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتحرق ألماً لاوضاعنا وانه اطلق تلك التحذيرات لكي يجنبنا المصير المشؤوم وذلك بسبب خطورة الموضوع وارتباط ذلك بمصيرنا فماهي كانت تلك التحذيرات؟
وقد اشتهر عن النبي (صلى الله عليه وآله) هذا الحديث: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم تداعي الاكلة على قصعتها)، قال قائل منهم: من قلة نحن يومئذ؟ قال : (بل انتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن اللّه من عدوكم المهابة منهم، وليقذفن في قلوبكم الوهن وكراهية الموت).
لقد ربط رسول الله النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث بين الاعتقاد الديني وبين شأن سياسي بل ومصير الامة، ويؤكد الحديث على الشأن الاعتقادي واعطائه الاهمية البالغة فوق الاعتبارات المادية، ففي اطار الاعتبارات المادية يجب ان يتفوق المسلمون في معركتهم لانهم اغلبية كما نلاحظ هذا الامر في قضية الصراع مع الكيان الصهيوني، حيث نجد ان العرب والمسلمين هم اكثر عدداً من الصهاينة الا انهم اكثر ضعفاً بسبب ضعف عقائدهم، ونرجع للحديث ونرى ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربط بين كراهية الموت وبين الاخفاق الحضاري فماعلاقة هذا بذاك؟
بالطبع هناك علاقة بين الجبن والخوف الذي يصيب الجيوش في المعركة وبين الهزيمة التي تلحق به ولاشك ان العقيدة الراسخة هي التي تقوي ايمان الانسان وتدفعه لخوض المعارك الكبرى دون مهابة العدو، ومثال ذلك مانلاحظه في سوح المواجهة العسكرية غير المتكافئة التي تخوضها المقاومة الاسلامية في الجنوب اللبناني ضد قوات الاحتلال الصهيوني، حيث تمكنت من تحقيق انتصارات كبرى ضد هذا العدو وفي المقابل نلاحظ عجز جميع البلدان العربية المدججة بالسلاح عن تحقيق حتى انتصار واحد، والفرق ان المقاومة تحمل عقيدة راسخة بينما تلك الجيوش الجرارة لاتمتلك تلك العقيدة فيكون مصيرها الهزيمة والفشل الذريع.
وخلاف مايعتقد به اصحاب الفكر العلماني من فصل الدين عن السياسة نجد هنا ان المعتقد الديني هو الذي يدفع الانسان نحو تحقيق اكبر الانجازات على مستوى الحياة والصراعات السياسية والحربية.
إذن، فان ضعف عقيدة المسلمين بالعقاب والثواب في عالم الآخرة، وبمفهوم التضحية و الاستشهاد في سبيل الله، يمنعهم عن مواجهة التحديات ويؤدي بهم الى التخاذل امام الاعداء. ونجد في احاديث اخرى ان نبي الاسلام يربط بين تخلف وتراجع الامة وبين ابتعادها عن القضايا الايمانية والاعتقادية فمن جهة نقرأ ان نزوع الامة الى حب الدنيا سيكون عائقاً مهماً أمامها يمنعها عن تحقيق تقدمها في كافة مجالات العلم والحياة .
وربما يستغرب البعض الربط بين حب الدنيا وبين التخلف الحضاري، لان حب الدنيا يجب ان يخلق الباعث لدى الانسان ليحقق التقدم العلمي لكن الواقع بالنسبة الى حالة الامة الاسلامية هو ان نزوعها نحو الدنيا سوف يضعف من ارادتها وميلها نحو التقدم الحضاري، لان حب الدنيا تجر الفرد والامة الى حالة من التكاسل والتراخي العميقة لاية محاولة نحو التقدم والازدهار.
ويحذر النبي الاعظم من اتباع الشهوات وقال في حديثه (اخاف على امتي ثلاثا : ضلالة الاهواء ، واتباع الشهوات في البطون والفروج والغفلة بعد المعرفة). فالشهوات تثقل الانسان وتجره نحو الارض وتمنعه من الانطلاق نحو العلم والتقدم وكلما زادت ميول الناس نحو الاهواء كلما زادت صراعاتهم الاجتماعية والسياسية واتجه البلد نحو الحروب والمشاكل.
وفي تاريخنا الاسلامي هنالك غير قليل من النماذج السيئة لحكام حكموا وملكوا وأثروا، لكن لم يتقدموا خطوة واحدة في المسيرة الحضارية التي بدأها وضحى من أجلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليهم السلام)، والأئمة الاطهار وكبار الصحابة والأولياء الصالحين، لكنهم أوغلوا وأمعنوا في الفساد والخراب والدماء، فكانت النتيجة أن حفروا قبورهم وانتهت دولهم وممالكهم.
ومن الامور التي حذر منها رسول الله هو اتباع ائمة الضلال حيث قال رسول اللّه (ص) : (انما اخاف على امتي ثلاثا: شحا مطاعا، وهوى متبعا، واماما ضال) فالامام الضال هو الذي يحرف اتجاه الامة ويقودها الى طريق آخر غير طريق الاسلام فتنقلب الامور والمعادلات فيصبح الخير شراً والشر خيراً وتنقلب موازين الحق والباطل وهذا هو الذي نلمسه في هذا الزمان حيث اصبح الخير غريباً والشر قريباً والناس يتفاخرون بالشر ويستحيون من الخير.
ومن الامور التي حذر منها نبي الاسلام هو جدال المنافقين في القرآن الكريم حيث نجدهم يفسرونه حسب أهوائهم وشهواتهم وينزلون القرآن بما لم ينزل واذا نزلت آية في رجل ينكرونه لانهم لايودونه واذا نزلت في ذم آخر يودونه يرفعون اسمه ويجعلون الذم على رسول الله كما في قصة (عبس وتولى) حيث انهم يرمون رسول الله بسوء الخلق ويرفعون الذم عن صاحبهم، وقد بين النبي الاكرم هذا الامر في مواضع مختلفة من بينها هذا الحديث (اكثر ما اتخوف على امتي من بعدي رجل يتأول القرآن ويضعه على غير مواضعه، و رجل يرى انه احق بهذا الامر من غيره) فهذا يقلب مفاهيم وحقائق القرآن ويجعل الخير في غير مكانه والشر في غير اهله).
ويحذر النبي الاعظم (ص) من الصراع السياسي على السلطة حيث ان كل واحد يرى الاهلية لنفسه في الخلافة ولايرى لغيره في ذلك وتنشب الصراعات السياسية على اثر ذلك حيث ان كل واحد يعمل من اجل الاستيلاء على السلطة فيعبئ القوى والامكانات لحسم هذه المعركة لصالحه.
وفي العموم نجد ان النبي الاكرم (ص) يحاول ان يحذرنا من الدخول في معارك جانبية تأخرنا عن ركب الامم الاخرى فإذا كان هناك من جهد يجب ان يبذل فانه لابد ان يكون في سبيل بناء الوطن وتحقيق تقدم الامة، ولاشك ان تحذيرات النبي الاعظم بتلك الاخطار لكي نأخذ حذرنا من هذه الامور ولانسقط في هذه المتاهة، ونحن في العراق يجب ان نعرف اهدافنا بدقة قبل ان ندخل في معارك جانبية قد تؤدي الى خسارة وطننا ومستقبلنا ومن ذلك الصراع الفئوي و الطائفي والحزبي على المصالح الخاصة، فهو سيسقطنا في متاهة لا نهاية لها.
|
|