بصائر رمضانية
بصائر من سورة الروم..
|
المرجع المدرسي: الشعوب الغربية آمنة في عصر ظهور الامام المهدي المنتظر (عج)
الهدى / طهران
اكد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي على ضرورة احترام اتباع الأديان السماوية الاخرى واحترام حقوقهم ومد جسور التواصل معهم لجذبهم نحو الدين الاسلامي الحنيف. جاء ذلك في تدبراته القرانية في الاية الثالثة من سورة الروم في محاضرته الرمضانية اليومية في مكتبه بمدينة طهران.
وابتدأ سماحته بالاجابة على سؤال اساسي يرتبط بتسميات السور القرانية وقال: لماذا سميت هذه السورة بسورة الروم ؟
للاجابة على هذا السؤال لابد من بيان نقطتين:
اولاً: اسماء السور توقيفية، بمعنى ان نلتزم باطلاق اسماء السور عليها كما ذكرها القران وذكرتها الروايات. لكن لابد لنا من الانتباه ان اسماء بعض السور القرانية تختلف في الروايات عما هو مشهور اليوم، فمثلا سورة الاسراء تسمى بسورة بني اسرائيل، وسورة الشورى تسمى بسورة المودة وهكذا.
ثانياً: هناك سورتان في القران الكريم سميت تبعا لطائفتين من اهل الكتاب. فسورة بني اسرائيل – الاسراء- وهي سورة تهتم بذكر احداث قوم النبي موسى (ع)، وسورة الروم التي سميت تبعا للمسيحيين – لأن الرومانيين كانوا على دين عيسى عليه السلام-.
فاذا قارنا سورة بني اسرائيل بسورة الروم نستنتج ان القران الكريم يهتم بالديانات السابقة ويحترمها. فمع ان تلك الديانات نسخت بالاسلام و(ان الدين عند الله الاسلام) الا أن ذلك لايعني ان لا يكون في تلك الديانات اي جانب مشرق. فنزلت سورة بني اسرائيل لليهود وسورة الروم للمسيحيين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو مغزى هذا الاحترام لاهل الديانات الاخرى مع ان الله لا يقبل الا الاسلام؟ والله هو القائل (و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه).
الخطابات القرآنية ودلالاتها
للاجابة على هذا السؤال نقول ان الخطابات الالهية في القران الكريم على عدة انواع:
اولاً: تارة ينادي جميع البشرية ويقول: "يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى" أو "يا أيها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه" او "يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم" فهذه النداءات تأتي متناغمة مع الفطرة البشرية، فكل انسان في اي مكان او زمان تسعه هذه الايات بل وتجذبه لأنه يجدها متوافقة مع فطرته الداخلية.
ثانياً: تارة يكون خطاب القران الى اهل الكتاب فيقول "يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم".
ثالثا: تارة خطاب القران الى المسلمين عامة.
رابعا: تارة خطاب القران الى المؤمنين خاصة "يا ايها الذين ءامنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق"
خامسا: نجد ان هناك خطابا خاصا بالرسل والانبياء "يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا"
سادسا: نجد ان الخطاب يختص بنبينا الاكرم محمد(ص): "يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك"
فهذه الخطابات تدل على مرتبة المخاطب من حيث المنزلة ومن حيث الدرجة ومن حيث الادراك، فالخطاب لابد ان يتناسب مع توجهات الفرد ومعارفه.
فمن هنا نجد ان القران الكريم لا تكون خطاباته للمؤمنين فقط، بل وتشمل الكفار والمشركين – بصفتهم بشر- وتشمل اهل الكتاب ايضا. فالقران الكريم لديه تعاليم للاخرين ايضا واوامر اليهم تتناسب معهم.
*طبيعة العلاقة بين المسلمين واهل الكتاب
و في اطار حديثه الذي حضره العشرات من العلماء الافاضل وطلبة العلوم الدينية والشباب المثقفين، تطرق سماحة المرجع المدرسي الى سؤال اساسي طالما شغل الكثيرين وقال: ما هي نظرة الاسلام الى اهل الكتاب؟ وما هي طبيعة علاقة المسلمين معهم؟ هل يتساوى المسيحي او اليهودي مع غير المسلمين كالكفار؟
و الجواب: كلا.. فمن الناحية الفقهية لا تؤخذ الجزية الا من اهل الكتاب، ويسمح لهم وبكل حرية ان يمارسوا شعائرهم وأن يحافظوا على كنائسهم وديرهم وصوامعهم. ومن الناحية الشرعية لابد للمسلمين ان يحترموا جميع الانبياء والرسل لأن كل الرسل لهم ارتباط بالله سبحانه، بل وغير المسلمين لهم ارتباط بالله سبحانه وتعالى عبر الادعية والمناجاة الخاصة بهم – ولو كان ذلك قليلا- فنحن نحترمهم لذلك.
طبعا لا نقول ان نحترم شركهم، بل نحترم ايمانهم اي الجانب المشرق من دينهم ومن عقائدهم، فحينما نقرأ في الروايات نجد ان امير المؤمنين علياً عليه السلام مر على كنيسة، فقال رجل: هذا مكان لطالما اشرك الله فيه. فأجابه الامام عليه السلام: هذا مكان لطالما عبد الله فيه.
وفي القران الكريم يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالدفاع عن اماكن العبادة بما فيها الصوامع والبيع. حيث يقول في سورة الحج، "و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره".
فمن هنا نعرف سبب تسمية سورة الروم كان تبيينا لاحترام المسلمين للمسيحيين وايمانا بما جاء به الرسل السابقون. ويتبين هذا الاحترام من البشارة الالهية بنصرتهم، ثم يقول "يفرح المؤمنون، بنصر الله"
الامام الحجة (عج) وايمان الغربيين به
يظن الغربيون اليوم – حسب مراكز الدراسات الغربية - ان الامام الحجة بن الحسن المهدي (عج) حينما يظهر فانه سيبيدهم جميعاً فيبحثون عن طريقة لمنعه من ذلك. اقول كلا.. في ذلك اليوم هم الذين يأتون سعيا اليه يدخلون تحت رايته افواجا بعد ما ذاقوا الويلات على ايدي حكامهم وبعد ما يرون عدل الامام و رحمته وكرمه، بل وحينما يرون ان عيسى بن مريم عليه السلام يصلي خلف الامام ويدعو اليه فيؤمن اهل الديانات الاخرى به ولا يحتاج الامام (ع) الى الحرب الا بشكل محدود.
عدم الاهتمام بالمسائل الجانبية عند تفسير القران
و هنا لابد ان أقول، علينا عند تدبرنا في القران الكريم ألا نهتم بالمسائل الجانبية والتفاصيل الجزئية غير المذكورة في القران، فالاساس والمهم هو ما ذكر في القران، ولو كانت بعض التفاصيل الاخرى مهمة – كما يذهب اليها البعض- لكان الله قد ذكرها. فمتى كانت هذه الحرب – المذكورة في هذه السورة- بين أي ملك وملك وفي أي مكان و.. كلها مسائل جانبية لابد ان لا نهتم بها. بل علينا ان نهتم بالسنن الالهية المذكورة في القران ليكون مشكاة يضيء لنا ظلم الحياة.
"لله الأمر من قبل ومن بعد"
هناك تساؤل عن معنى هذه الكلمات، فكما نعرف كلمتي (قبل) و(بعد) حذف متعلقهما، فما هو المعنى، اي (من قبل ماذا)؟ و(من بعد ماذا)؟ قالوا ان المعنى هو (لله الامر من قبل) الفتح (ومن بعد) الفتح.
ويبدو ان هناك معنى اخر وهو ما يرتبط بالاطار العام لهذه السورة – وهو كما بينا الارتباط بين عالم الخلق وعالم الأمر- اي السنن الالهية فيكون المعنى: (لله الامر من قبل) اجراء السنن الالهية (ومن بعد) اجراء السنن.
و اذا دققنا في هذا المقطع من الآية نجد الاهمية العظمى لعالم الأمر، وهو العالم الذي لا يستطيع الانسان ان يفهمه، فهو عالم فوق السنن وفوق كل القوانين، عالم تأتي الاوامر فيه من الله سبحانه. فالله سبحانه وتعالى اذا اراد شيئا لا يستطيع اي احد ان يمنعه من ذلك، وامره نافذ ومشيئته صائرة. فمثلا (الخوف) امر لا يستطيع اي شيء ان يسيطر عليه وهو امر داخلي بيد الله وهو سلاح نصر الله به نبيه (ص) كما قال (ص): (نصرت بالرعب مسيرة شهر). ومن جانب اخر ارادة الانسان بيد الله، فلا يستطيع ان يهم بشيء الا اذا اراد الله ذلك، فكما في الرواية (قلب المؤمن بين اصبعي من اصابع الرحمن) أي ان الله يوجهه. وفي رواية اخرى (اذا اراد الله شيء سلب عقول الناس). فكل شيء بيد الله، وهذا هو معنى "لله الامر من قبل ومن بعد"..
فاليهود قالت "يد الله مغلولة" لكن الله سبحانه يجيب عليهم "غلّت ايديهم ولعنوا بما قالوا" فكيف يعجز من خلق هذا الخلق العظيم؟! "بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء"
وهنا نعرف عظمة رواية الامام الصادق عليه السلام – وكل رواياتهم عظيمة- (ما عبد الله بمثل البداء). فالله سبحانه له الأمر، "كل يوم هو في شأن"، في كل لحظة له خلق جديد، يخلق عشرات المجرات العملاقة في كل لحظة، "و السماء بنيناها بأيد وانا لموسعون"، فيجب ان نعتمد على الله سبحانه وتعالى ونتوكل عليه "و من يتوكل على الله فهو حسبه".
و في ختام حديثه دعا سماحة المرجع الى الاستفادة من هذا الشهر الفضيل بالتقرب الى الله سبحانه وتعالى وتبديل العادات السيئة باخرى حسنة.
|
|