قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
أحاديث رمضانية:
الصوم من أجل التقوى
"يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (سورة البقرة /183)
نصوم بين طلوع الفجر وغروب الشمس، فنكفّ منافذَ أجسامنا عما أوجب الله سبحانه وتعالى علينا الاجتناب عنه من الطعام والشراب والشهوة وما أشبه، هذه حدود الصيام الظاهرية..
ولكن؛ هل أن كل صائمٍ تصدق عليه هذه التسمية؟ وهل أن الصائمين كلهم في مستوى واحد؟ وهل أنك ترضى لنفسك أن تكون في المستوى الأدنى؟! لا أتصوّر أنك كذلك، ولا أنا، ولا كل صائم، فالجميع يبحثون في حياتهم عن الأفضل والأرقى، سواء في أمور الدنيا أو الآخرة..
غير أنه يبقى من الصائمين من لا حظّ لـه من صيامه سوى الجوع والعطش، وليس الصوم بالنسبة لـه إلاّ ساعات من الإمساك عن الأكل والشرب.. في حين أن من الصائمين ثلّة تتقرب بصيامها إلى الله حتى تعتق رقابها من النار ويُغفر لها وتوجب لها الجنة، وبين هذا وذاك درجات من الصائمين..
إن أول درجة من درجات الصيام هي أن تصوم وتصوم معك كل جوارحك وأفعالها. فلا تصوم عينك عن الحرام فقط، بل حتى عن الشبهات، ويصوم لسانك فيكفّ عن الكذب والتهمة والافتراء والغيبة وغيرها.. فعن أبي عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تسبُّ جارية لها وهي صائمة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام فقال لها: كُلي! فقالت: أنا صائمة يا رسول الله! فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟
في مناهي النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن الغيبة والاستماع اليها، وقال صلى الله عليه وآله: من اغتاب امرءاً مسلماً بطل صومه، ونقض وضوؤه.. فالصوم هو ليس الصيام الظاهري فحسب، وإنما هو كما قدّمنا امتناع عام عن كل المحرمات الظاهرية والباطنية.
إن من الناس من تسوء أخلاقه أثناء الصيام، في حين إن الصوم يدعونا إلى البشاشة والطلاقة والتطور الروحي، لما فيه انعتاق عن المادة..
وهناك درجة أسمى من الصوم العادي، وهو أن يصوم المرء بقلبه، حيث يكون معراجاً للحب، ومهبطاً للملائكة، ومنزلاً للرحمة الإلهية بدلاً من أن يكون مهوىً للشياطين، ومركزاً للوساوس والأحقاد والعصبيات والحميات الجاهلية الباطلة.
بلى؛ إن الصوم قد يكون مستحباً، وقد يكون واجباً، ولكن صيام شهر رمضان واجب على كل إنسان مكلّف، وإن أفضل الصيام هو صوم المنافذ والجوارح والقلب، وأن تكون النية في ذلك كله منعقدة على العزم على أن يكون الصوم معراجاً إلى بلوغ مرحلة التقوى والورع، لأن الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الفريضة الشريفة هذه إلا لنكون من المتقين كما صرحت به الآية الكريمة بصورة مباشرة.
* من كلمات المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)