الصوم عن الرذيلة أم عن الكلام المباح؟؟!
|
*كتب / المحرر الثقافي
مع دخولنا شهر رمضان المبارك، وهو شهر الطاعة والاستغفار وإعادة الحسابات مع الله تعالى ومع النفس ومع الآخرين، تبادر (الحكومة المحلية) في كربلاء المقدسة وإسهاماً منها لتكريس واقع الصيام في المجتمع بتعميم كتاب رسمي صادر من رئاسة الوزراء في (الحكومة الاتحادية) يتعلق بالسلوك الاجتماعي خلال شهر رمضان المبارك، ويتضمن جملة توصيات واجراءات من شأنها اعطاء هذا الشهر الفضيل مكانته ومنزلته في المجتمع، وتدعو المواطنين الالتزام بها، من قبيل غلق المطاعم والمقاهي ومحلات المرطبات وحظر التجاهر بالإفطار وغير ذلك، لكن المفاجأة كانت في فقرة أخرى في ذيل القائمة تشير الى (اغلاق مخازن بيع الخمور)!
هذه القائمة من التوصيات والاجراءات صادرة عن مجلس الوزراء في بغداد ومن المتوقع أنها عُممت في المحافظات كافة ، ويبدو إن المعنيين أخذوا الظروف الاجتماعية في عموم البلاد بنظر الاعتبار، ليضفون عليه طابع الوطنية كما هو الاعلام الوطني المرئي الذي يقولون انه يجب ان يلبي (ما يطلبه المستمعون)! لكن يبدو ان القضية تختلف هنا كثيراً، فهي تتعلق بفريضة عبادية والكلام موجه الى سكّان مدينة مقدسة لا يجهل المعنيون سواء في مدينتنا أو في العاصمة بغداد أنها تخلو من محال بيع الخمور والملاهي بشكل علني، والبيان الرسمي منشور في صحيفة موجهة للقارئ الكربلائي وليس لغيره، طبعاً كان بودنا كثيراً أن نرى البيان صادر عن حكومتنا المحلية الموقرة ليكون أكثر لياقةً وأكثر تأثيراً على الاوضاع في المدينة المقدسة.
ولنفترض جدلاً أن هناك من يبيع الخمور بل حتى يصنّعها داخل المدينة سراً، أو توجد هنالك بيوت سرية للرذيلة وغير ذلك، فهل من الذكاء الاعلامي أن تُعد هكذا أعمال أمراً مألوفاً ودارجاً في اوساط المهن الحرة حالها حال أية مهنة أخرى، كما لو إن من يبيع الخمور كمن يبيع شربت الزبيب أو العصائر والمرطبات المختلفة! وهذا بحد ذاته يُعد تجنيّاً وتجاوزاً على حرمة الكسب الحلال الذي تمارسه شريحة واسعة من ابناء مجتمعنا لتوفير لقمة الحلال النظيفة لأطفالهم ونسائهم.
إن ابناء مجتمعنا، رغم القصور الكبير في التوعية الدينية والثقافة الاسلامية، يحفظ جيداً الحديث الشريف: (من صام صامت جوارحه)، فالصائم لا ينظر الى ما حرّم الله، ولا يكذب ولا يتهم أحداً ولا يجادل ويماري ويخوض في الباطل وغير ذلك، وبصورة عامة يشعر انه يعيش في هذا الشهر الفضيل على مائدة ليست مائدته المعهودة في البيت، إنما في محضر السماء والملائكة، لذا يشعر بنوع من الاتزان والوقار، طبعاً هي على درجات متفاوتة عند الناس. لكن هل يحق لنا – والحال كذلك - أن نفرط بهذا المستوى البسيط من الثقافة الدينية عند المجتمع ونطبّعه على وجود محال بيع الخمور أو وجود دور للرذيلة والموبقات في مدينة مقدسة ؟
إن شهر رمضان المبارك يدعو النخبة السياسية والثقافية لأن تتحمل مسؤوليتها العظيمة في تعريف الناس بهذا الشهر الفضيل، بما يجعلهم يفتخرون بأنهم صائمون يتحدون كل الظروف القاسية من طقس حار وانقطاع مستمر للكهرباء، على الأقل ليكونوا قدوة لأقرانهم في سائر المدن، وما نشهده في ليالي الجمعة من توافد العوائل العراقية من كل مكان على كربلاء المقدسة للافطار الى جوار الامام الحسين (عليه السلام) يُعد بالحقيقة رسالة بليغة أخرى بان هذه المدينة بحاجة ماسّة لمن يصون هويتها ويحفظ كرامتها أمام الناس والعالم.
|
|