أزمات بالجملة.. والقادم أصعب مما مضى !
|
قاسم العجرش
الأزمات قادمة بالجملة، وليس صحيحا أننا تجاوزنا أزمة تشكيل الحكومة، فقد خرجنا من نفق "الرئاسات الثلاثة" لندخل في دهليز التكليف برئاسة الوزراء، وقد تعمد الرئيس طالباني تأخير إصدار رسالة التكليف الى ما بعد العيد لإعطاء المكلف الذي هو السيد نوري المالكي وقتا إضافيا لعلمه بعسر مهمته وأنه يحتاج الى وقت أطول من الوقت الذي تمنحه إياه النصوص الدستورية، وبعد أزمة التكليف سندخل في أزمة "التشكيل" وهي المهمة الأعسر في العملية السياسية برمتها، وستبدأ هذه الأزمة بأزمات فرعية، أولها "تسعير" الحقائب الوزارية، فلكل حقيبة أهمية مختلفة عن الحقيبة الأخرى، وهناك ما أصطلح عليه بالوزارات السيادية ذات الثمن الباهض من عدد النقاط!، وستستنزف تسعيرتها المرتفعة أحلام المنتظرين بطابور الحالمين بالإستيزار، وستستحدث وزارات دولة بالجملة ووزارات بلا حقائب أيضا، وسيدخل في التسعيرة والتسويق مناصب الهيئات المستقلة، مثل نزاعات الملكية وهيئة الإتصالات وهيئةالإعلام والنزاهة والقضاء الأعلى، وأمانة مجلس الوزراء وأمانة بغداد، ومناصب الجيش الكبرى، بل أن الصراع سيصل الى ما دون ذلك من وكلاء الوزارات ومناصب تنفيذية مثل رؤساء ديوان رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وهناك نواب رئيس الجمهورية الذي من المفترض أن يكون له نائب واحد حسب الدستور، لكن من المتوقع أن يصار الى إصدار تشريع بتعيين نائبين حتى تتم ترضية هذا الطرف السياسي أو ذاك..إنه بالحقيقة "بازار"..
بيد أن ازمة مجلس السياسات الستراتيجية كواحدة من الأزمات القادمة، ستكون هي الأزمة "الأم"، وستكون هذه المسألة بالذات اختبارا. . لحكومة الشراكة. وسيكون مشهد أزمة مجلس السياسات من السعة بمكان. هل هو من ضمن نقاط التثمين للمناصب كما يقول التحالف الوطني، أم هو خارجها كما تقول العراقية؟، ثم أن التحالف الوطني يقول أن رئاسة المجلس وعضويته إستشارية، في حين أن العراقية ترى فيه سلطة موازية لمجلس الوزراء !، وأنها مناصب سياسية سيادية شأنها شأن مجلس الوزراء، وهم بالحقيقة يريدون سلطة برأسين !؟، مع سابقة خطيرة وغير مطروقة في السياسة وإدارة الدول، مؤداها تشكيل مجلس يضم رؤساء الأجهزة التنفيذية والسيادية والقضائية ومسؤولي قطاعات الدولة يترأسه من لا يتوفر على توصيف بروتوكولي يؤهله لقيادة هذا التشكيل.. وربما تصورت "العراقية" أن هذا المجلس بمستوى مجلس الأمن القومي الأمريكي، في حين يتصوره التحالف الوطني منتدى إستشاري ليس إلاّ، ناهيك عن أن تشكيله ليس له أساس في الدستور، وهو ما يستدعي سن قانون خاص به، وليس من المتوقع تمرير القانون وفقا لرؤية "العراقية قطعا" خصوصا وأن عملية لي الذراع التي مارستها "العراقية" وزعيمها علاوي ساعة إنتخاب طالباني، لم يتمكن إعتذار كابينة علاوي في اليوم التالي من محوها، بل عمقها سفر علاوي الى لندن بدون "إٍحم ولا دستور" كما يعبر الأخوة المصريون في أمثالهم. .
وهو أمر ادركه علاوي ولذا صعد من موقفه غير آبه فيما إذا سبب ذلك تشنجا مع الرئيس طالباني..ولأن الأزمات بالجملة فليس من المتوقع أن تمر حادثة إنسحاب علاوي من إستحقاق إنتخاب رئيس الجمهورية بلا رد كوردي، وسنرى النتيجة قريبا فالكورد على الرغم من طيبتهم وتسامحهم المشهود، لكنهم لا يحفظون الود لمن يدوس على طرف ثيابهم، وقد فعل علاوي ورهطه ذلك بلا روية.. مما يؤشر أن طاولة بارزاني طبخت الحلول على عجل، بل أن بعض الآنية حوت طعاما نيئا كما حصل مع مجلس السياسات الستراتيجية.. ومع أن هناك نقطة واحدة فقط في صالح مجلس السياسات الستراتيجية، هي أنه حظي بأقرار أولي لمجلس النواب، لكن هذا أمر ربما يحتاج الى توصيف جديد، لأن هيكلية لجان مجلس النواب لم تخرج بعد، وجميع القرارات والقوانين يجب أن تمر باللجان، و"هات ليل واخذ عتابه"! حاله حال تعديلات الدستور وورقة الإصلاح السياسي في الدورة البرلمانية السابقة.
ونشير الى أن علاوي كان قد أعلن أكثر من مرة أنه لن يترأس منصبا سياديا دون صلاحيات تنفيذية حقيقية، وأنه يفكر بقيادة معارضة سياسية داخل مجلس النواب متوخيا " المصلحة الوطنية العليا" مع إشارات خفية لعودة العنف، لكننا نذكر أن علاوي سبق وأن أعلن رفضه القاطع لفكرة المشاركة في حكومة يترأسها المالكي، ولكنه "بلع" رفضه وقبل بالترشيح متحججا "بالمصلحة الوطنية العليا"، التي يبدو أنها قميص عثمان ينشر متى ما أريد تدبير أمر بليل!.
غير أن هناك ناحية أخرى في كل هذا، وهي صمت المالكي خلال الايام الماضية عن الموضوع، فقد ترك بعض المتنفذين في قائمته يصرحون تصريحات تقلل من شأن مجلس السياسات دون أن يقول بما جرى الإتفاق عليه بينه وبين علاوي وبارزاني وطالباني، وهو أمر ربما سينسف كل تصريحات النائبين العبادي والسنيد، ويجعلهم يبحثون عن مفردات جديدة تمكنهم من التراجع عن تلك التصريحات.. وبالمقابل ربما يعول المعولون على سأم علاوي من المشاركة في عمل أجهزة الدولة اليومي، وعدم قدرته على المطاوله، وهو المشهور بكثرة تواجده خارج العراق، وفي الذاكرة أنه لم يشارك ولا في جلسة واحدة من جلسات مجلس النواب المنصرف، وهو تعويل ربما يجد له صدى على أرض الواقع...
|
|