مفهوم النزاهة وقيم المجتمع
|
علي نافع حمودي
يعرف الجميع بأن الفساد مفهوم مركب له أبعاد متعددة وتختلف تعريفاته باختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها إليه.فيعد فسادا كل سلوك انتهك أياً من القواعد والضوابط التي يفرضها النظام كما يعد فساداً كل سلوك يهدد المصلحة العامة، وكذلك أي إساءة لاستخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة و كل ما هو ضد الصلاح. قال تعالى: [ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها] وقال تعالى: [وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد] و تُعَرِّفُ منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه "سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام لتحقيق مكاسب شخصية"، ولا تميز المنظمة بين الفساد الإداري والفساد السياسي، أو بين الفساد الصغير والفساد الكبير. وترى أن عمليات الفساد تسلب من البلدان طاقاتها وتمثل عقبة أداء في طريق التنمية المستدامة..
وظاهرة الفساد تشمل جرائم متعددة مثل: الرشوة والمتاجرة بالنفوذ، إساءة استعمال السلطة، الإثراء غير المشروع، التلاعب بالمال العام واختلاسه او تبديده او اساءة استعماله، غسل الأموال، الجرائم المحاسبية، التزوير، تزييف العملة، الغش التجاري وجرائم أخرى، وقد عانت دول عديدة منه لأنه ظاهرة مركبة تختلط فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ولذا تتعدد أسباب نشوئها، ومن هذه الاسباب عدم اتساق الانظمة ومتطلبات الحياة الاجتماعية وضعف الرقابة.
وللفساد آثار سلبية متعددة اهمها التأثير السلبي على عملية التنمية فينحرف بأهدافها ويبدد الموارد والامكانات ويسيء توجيهها ويعوق مسيرتها كما يضعف فاعلية وكفاية الأجهزة ويتسبب في خلق حالة من التذمر والقلق. ومن أجل القضاء على الفساد علينا ان نؤسس لمفهوم النزاهة عبر برامج إصلاح شاملة تحظى بدعم سياسي قوي وتكتسب مضموناً استراتيجياً يقوم على تشخيص المشكلة ومعالجة اسبابها وتعاون الأجهزة الحكومية ومشاركة المجتمع ومؤسساته وإرساء المبادئ والقيم الأخلاقية للإدارة والمجتمع وتعزيزها والاستفادة من الخبرات الدولية في مكافحة الفساد وتعزيز مفهوم النزاهة كقيمة ديمقراطية خاصة وان العراق يعيش الآن حالة انتقالية رغم مرور أكثر من سبعة أعوام على التغيير من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي التعددي، وهذا التحول يسهم بشكل أو بآخر في تفشي الفساد مما يتطلب محاربته عبر تفعيل مبادئ النزاهة والشفافية التي تشير الى تقاسم المعلومات والتصرف بطريقة مكشوفة. فهي تتيح لمن لهم مصلحة في شأن ما أن يجمعوا معلومات حول هذا الشأن قد يكون لها دور حاسم في الكشف عن المساوئ وفي حماية مصالحهم. وتمتلك الأنظمة ذات الشفافية إجراءات واضحة لكيفية صنع القرار على الصعيد العام، كما تمتلك قنوات اتصال مفتوحة بين أصحاب المصلحة والمسؤولين، وتضع سلسلة واسعة من المعلومات في متناول الجمهور كما يحصل لدينا الآن في العراق عبر عرض وزارة النفط الشهري لصادرات العراق النفطية ومجموع الأموال المستحصله جراء ذلك، وكذلك مناقشة الموازنة السنوية للدولة وأوجه الإنفاق بشكل علني ومباشر، ويمكننا تعزيز النزاهة كقيمة جوهرية من قيم الديمقراطية في العراق عبر محاربة الفساد الذي يعد أحد أبرز التحديات التي تؤثّر سلباً على عمليات الإصلاح والتنمية في ظل ندرة البيانات والمعلومات المتعلقة بهذه الظاهرة وضعف ثقة الناس، بشكل عام، بقدرة الدولة على التحرّك الفعال في مواجهتها.
ومع ذلك، فإنّ التطورات الإيجابية التي تحقّقت مؤخراً تنبئ بإمكانية التغيير والتطوير في هذا المجال. فقد شهدت الفترة الأخيرة اتساعاً ملحوظاً في مساحات النقاش العام حول موضوع الفساد وربط ذلك بالإرهاب في العراق خاصة وان الكثير من التقارير الرسمية اثبتت ارتباط الفساد بدعم العمليات الإرهابية، مما يتطلب مجابهته فكريا عبر غرس مفاهيم النزاهة في المجتمع خاصة وأن تأسيس هيئة النزاهة العامة في العراق بمستوى عالٍ من الصلاحيات الرقابية على اجهزة الدولة المختلفة يشكل حدثا قانونيا واداريا على مستوى كبير من الأهمية من حيث الوجود والدلالات، فهذه التجربة الحديثة على مستوى الوطن العربي تعطي دلالات ذات مغزى خاص، أَهمها ان قيم سيادة القانون والديمقراطية في العراق ستسير بالاتجاه الصحيح مادامت هذه الهيئات الرقابية تعمل بشكل مستقل وبكفاءة مهنية عالية، وتعد هيئة النزاهة العامة هيئة مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب حصرا بموجب المادة (102) من الدستور العراقي لسنة 2005. لهذا نجد بأن الأرضية الدستورية والقانونية ممهدة لتعزيز قيم النزاهة والشفافية في المجتمع العراقي عبر الكثير من القنوات الإعلامية والثقافية والتربوية وغرسها في الجيل الجديد لكي تكون عملية البناء صحيحة ومتكاملة وسليمة.
|
|