قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الفساد. . في العقول والضمائر
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة سالم مشكور
في مركز إحدى محافظات الفرات الاوسط يكتظ مئات الناس امام فرع مصرف الرافدين وسط المدينة، منذ السابعة صباحا بانتظار فتح ابوابه عند الثامنة يتدافعون الى داخله وتتشكل الطوابير الطويلة، ومعها تبدأ رحلة العناء التي تطول ساعات. عندما تسأل الموظفين عن سبب هذا الاكتظاظ في هذا الفرع دون غيره من الفروع يجيبك بان كل عمليات تسليم الرواتب واستحصال صكوك اصدار الجوازات محصورة في هذا الفرع ذي العدد المحدود من الموظفين الذين يتعرضون لضغط عمل كبير يوقعهم في أخطاء. .. فيما سوق السماسرة يزدهر على بابه.
في نفس المدينة وفي دائرة الاحوال الشخصية تتشكل طوابير طويلة تأخذ من الواقفين فيها ساعات، من أجل استبدال هوية الاحوال المدنية او استخراج جديدة لمولود. نفس المشهد يتكرر في دوائر اخرى في جميع المحافظات ونتيجتها الموحدة ان الناس يستهلكون اياما من عمرهم وجزءاً كبيراً من جهدهم لانجاز معاملة لا يستغرق انجازها اكثر من اتصال هاتفي في دول "الكفار"، بل ان المواطنين والمقيمين في تلك الدول لا يحتاجون الى اكثر هذه المعاملات، فلا المستمسكات الاربعة المقدسة ولا العرائض الملطخة بعشرات التواقيع العبثية ولا طوابير تنفس عقد المتعطشين الى اذلال الناس والمتعمدين إفشاء الفساد المالي والاداري.
نسأل أين اصبحت البطاقة الوطنية التي تخلّص المواطن من "الصداميات الاربعة" وما يرافقها من فساد مالي واداري فتأتيك أجوبة غير مقنعة لكن وزيرا معنيا يهمس في جلسة خاصة بان العرقلة سببها صراع بين جهات على تنفيذ المشروع سعيا وراء أرباح مادية.
بل ان معارضي المشروع ومعرقليه انما يرون فيه غلقا لابواب فساد عديدة فيقفون بوجهه. اي –باختصار- فان عملية مكافحة الفساد تقع هي الاخرى ضحية الفساد، بل ان الكثير من التعليمات والاوامر الصادرة الان تؤدي الى تزايد الفساد والهدر، عمدا أو غباءً !.
وخذوا مثالا : تسلمت جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية تعليمات مركزية باتت تتم جميع المشتريات الحكومية حصريا من وزارتي الصناعة والتجارة فماذا كانت نتيجة هذه التعليمات ؟. تضاعف الهدر للجهد والمال والوقت وباتت الدائرة التي تريد شراء مكتب خشبي تنتظر شهورا تستغرقها المكاتبات الرسمية مع الوزارتين لتحصل بعد شهور على مكتب متدني الجودة وبكلفة عالية.
اليس هذا هو الفساد بعينه وبأوامر وتعليمات من سلطة تئن من الفساد وترفع شعارات محاربته وتعقد لذلك المؤتمرات والندوات. باختصار : ما لم نخرج من أزمة العقل والضمير فان الفساد والخراب يظل يعشعش فينا ولن تنفعنا لعلاجه كل شعارات الدنيا ومؤتمراتها.