النظام السياسي وقيم الدستور الإسلامي
*من رؤى سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)
|
قال الله تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحديد /25)
إن القسط، حكمة بعثة الرسل، والكتاب وسيلته، والميزان أداته، والحديد سلاحه، والمجاهدون قوامه. ولكل أمة رسول، ورسولهم يقضي بينهم بالقسط، وقد أمر الله بالعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وأمر الذين آمنوا أن يكونوا قوامين لله شهداء بالقسط كما أمرهم بأن يكونوا قوامين بالقسط شهداء لله، والحق هو الذي به يعدل، فإذا أوتي كل انسان حقه فقد تحقق العدل.
إن الحكم الإسلامي قائم على أساس الحق، و الذي يتمثل في العدل، والتوازن بين الفوضى والاستبداد، و من أجل تجاوز حالة الفوضى لا بد من حاكمية الولاية الإلهية، ومن أجل تجاوز الاستبداد لا بد من الشورى.
إن الهدف من الدستور الإسلامي هو ذات الهدف الأساس لخلقة البشر، وهو التقدم المستمر في الآفاق التي لا تحد، والتسامي الى حيث لا نهاية، أولم يقل ربنا سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ" والدستور المنشود هو الذي يحقق التقدم الدائم للأمة الاسلامية في إطار تقدم البشرية وليس على حساب سائر البشر، وشعاره الكرامة، وعماد كرامة الإنسان هو استقلاله عن الجبت والطاغوت، وتقدمه في تسخير ما في الدنيا للتخلص من آفات الزمان من الفقر و المرض والنكبات، ولن يتحقق الاستقلال ولا التقدم إلا من خلال ثلاث قيم، وهي بالترتيب: الحرية والعدالة والأمن.
فالأمن وسيلة تحقق العدل، والحرية هدف العدل، وهي بدورها وسيلة الكرامة، وليس من الصحيح جعل الأمن الهدف الأساس للدستور، إذ أن اعتزاز الإنسان بكرامته يفوق حاجته الى الأمن، فهو يضحي بأمنه من أجل كرامته.
أما العدالة فهي لا تتحقق إلا بالحرية. ولا أمن لمن لا حرية له، ولا أمن لمن لا يشمله العدل. بلى، بالمفهوم الضيق لقيمة الأمن، لا بد من إحداث منظومة كبيرة من القوى الحافظة للأمن، إلا أن المشكلة تبدأ من احتمال تحول هذه القوى الى خطر على الحرية، والى تسرب الفساد إليها من خلال تعاملها مع عوامل الفساد، ومن هنا لا بد أن نضع قوى الأمن دائماً وأبداً تحت سلطة القضاء العادل.
|
|