قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

كربلاء وقفة تأمل
*أنور عزّ الدين
مصادفة عاشوراء الثورة والتصحيح مع بداية السنة الهجرية يدعونا إلى وقفة ومراجعة حسابات أمتنا وتقويم مسيرتها. وهذا إحدى سبل الاستفادة من عاشوراء.
إن مجتمعاتنا مليئة بالسلبيات، واليها يرجع السبب في تخلفنا، وتجاوز هذه العقبات يتطلب شجاعة في عملية نقدٍ ذاتي لا نجامل فيه أنفسنا ونعدد فيه عيوب غيرنا، تواصلاً مع كربلاء لاستلهام روح التحدي وحكمة الإصلاح. ونتلمس هاهنا إلماحاً لبعض مكامن ضعفنا.
الفردية والتناقض بين أفراد المجتمع سمة مجتمع التخلف، ونحن أمة أُمرت بالتعاون وتربطنا علاقات اخوة لكننا شتات، نستبدل الاخوة بالعداوة والتعاون تباعداً، وإذا ما تكونت مجموعات متناثرة كان الاختلاف شعارها! إن التعددية والتنوع من سنن الله في الخلق، والتي يوظفها المجتمع المتقدم لصالحه بتكاملها وبالتنافس أو التعاون، بينما تكون نقمة على مجتمعاتنا المتخلفة، أن اختلال الموازين حيث يمتزج الشخصي بالعام والأهداف بالوسائل وتنحرف البوصلة بتحوير النيّة فإذا الصديق يصبح عدواً، بل ويصبح العدو صديقاً.
اللامسؤولية عنوان جامع لثقافات سائدة تشكل روح التخلف، حيث تكون تبريراً للتقاعس عن تحمل المسؤولية العامة، واللأبالية تجاه الآخرين نتيجة اليأس والاحباطات أو الأفكار الضالة، والذي يدعو للأسف أن هذا يشمل بعض من يصدق عليهم عرفاً عنوان التدين وهنالك الفردية في التفكير والهموم، والمصلحية حيث يسعى الإنسان لتحقيق طموحاته ولو كانت من منطلق غير رحماني، وبشتى الوسائل دون ضابطة الحلال والحرام أو مراعاة لحقوق الأخرين، وهذه نماذج من خصال شتى يجمعها التثاقل للأرض.
المطلوب.. الانقلاب والاستحالة في الثقافة، فالثقافات لا تخلو من نقاط قوة وضعف حتى موروثنا الثقافي - لا نتحدث عن الكتاب والسنة- إلا أن السلبية تمتاز بإبراز السلبيات أو بتحوير نقاط القوة إلى الضعف. ويمكن رصد ذلك في أمثلة الشعوب، وفي موروثنا الفهم السائد لـ (اتق شر من أحسنت إليه) أي إن الإحسان سوف يجلب عليك الشر فالأولى تركه! لان وراءه الشر والندامة، بينما التفسير الصحيح إن بالإحسان يمكن قلع الشر من الآخرين فإذا أردت قلع العداوة من أحد فاحسن إليه، وهذا ينطبق على التقية والصبر والشفاعة والانتظار وحب الأولياء وإحياء الشعائر.
إن التقليد آفة تحجب البصيرة وتورد المهالك، ونجدها في موروث الآباء كما نجدها في تبعية الثقافة المستوردة، إلا إن الثاني هو المشكل المعاصر، فالتراوح بين الانغلاق والتقليد حُسم لصالح التبعية للمستعمر ولسيادة الاتجاه العلماني على الأمة قسراً، إن مشكلتنا مع العلمانية لا تنحصر في انفصالها عن جذور الأمة وعدم التفريق بين الصالح والطالح فيما يستوردونه، بل الأنكى اليوم انفصامهم حتى عن الوطنية والانتماء، فالتبعية والارتهان للمستعمر في سبيل التربع على صدر الأمة، فهم يعيثون بالبلاد والعباد الفساد، فاذا كانوا سابقاً يعتذرون بأوحدية التقدم المدني في الغرب، دون أن يميزوا بين خيرها وشرها، فهذا لا ينفعهم الآن، إذ انتهى زمن استفراد الغرب بالتقدم لتعدد منابع الحضارة وقد قطعت البشرية شوطاً كبيراً بحيث استطاعت البشرية تمييز غثّ هذا التقدم عن سمينه.
إن محطات التوقف كثيرة وإنما كانت هذه إطلالة سريعة كأنموذج.. إن خيارنا للنهوض يتمثل في إذكاء روح التحدي تجاه الأخطار المحدقة، حتى تستنهض الأمة قواها لدرء الأخطار مزيلة معها معوقات التقدم. أننا لا ندعو للعيش في حالة صدام ومواجهة، وإنما استثارة الأمة بإبراز التحديات علانية وإيقاظ ضميرها المستريح.
إن كربلاء خير مناسبة لإذكاء روح التحدي والكرامة، ومسؤولية الإحياء تقع على العلماء فهم العارفون بتاريخ الأمة ودينها المتشرفين بحمل رسالته، وإلا لن يكون دليل الأمة سوى غراب العلمانية الذين أوردوها المهالك ولا يزالوا.