عاشوراء.. نهضة الإصلاح وتغيير المنكرات
|
إن قضية الإمام الحسين (ع) في كربلاء، وما قبلها وما بعدها من إرهاصات وتداعيات،لم تكن تختص بزمن وقوعها فحسب، بل تكتسب أبدية الهدف والغاية حتى قيام يوم الدين، ولذلك فقد حظيت قضية عاشوراء باهتمام رسول الله (ص) شخصياً منذ أيام حياته الشريفة في مطلع الإسلام. فكان يحاول ما استطاع أن يلفت نظر المسلمين إلى عظمة مقام الإمام الحسين (ع) عند الله سبحانه وتعالى، ومما ورد عنه(ص) في هذا الصدد قوله الشريف: "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط"، وقال: "من أحب الحسن والحسين أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله عز وجل أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله خلَّده في النار".
إذاً، نحن أمام حدث وقضية عظيمة اهتم بها نبي الإسلام أيما اهتمام كبير، واهتم بها أئمة أهل البيت من بعده، والكل ينادي: (وا حسيناه). ومنذ حدوث النهضة الحسينية عام 61 للهجرة النبوية، ونحن نحيي في كل عام تلك الذكرى، نحاول أن نستفيد الدرس تلو الدرس من مدرسة الإمام الحسين(ع) التي لا تنضب، ونحاول أيضاً أن نتذكر أن الحسين (ع) لم يكن خائفاً من الموت ومن التضحيات الجسيمة، فهو القائل عندما أراد الخروج من مكة المكرمة: "خُطَّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقعطها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سُغباً، لا محيص عن يوم خُط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين..". ولماذا كل هذه التضحيات؟. الجواب: تحقيق الرسالة والهدف من النهضة الكربلائية العظيمة، وتقديم أروع الدروس والمواعظ للمسلمين، والمحافظة على الدين من الضياع وسط لجة الظلم والانحرافات التي كانت تعج بالوسط المسلم.
حينما همَّ الإمام الحسين (ع) بالرحيل عن مدينة جده المصطفى(ص)، توجه إلى قبر جده، وناجى ربه العزيز: "اللهم، هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت نبيك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم، إني أحب المعروف، وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه إلا ما اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى". الحسين(ع) يرجو رضا الله سبحانه وتعالى، والقضية تتمركز في إحياء الدين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأكد ذلك في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية قائلاً: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي؛ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر".
تحمل نهضة عاشوراء الحسين(ع) الكثير جداً من الدروس التي يجب علينا الاستفادة منها، ولذلك سيظل المسلمون يحيون ذكراها في كل عام حباً في التزود من توجيهاتها في مختلف الاتجاهات والنواحي الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغير ذلك مما يصعب حصره.
المهم كيف نختار درساً أو أكثر من درس لنعيه ونستفيد منه في حياتنا، وكيف نضيف في كل عام جديداً إلينا من هذه النهضة التي لا تموت ما بقي الدهر.. وتظل أهم الدروس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تلك الفريضة التي تكاد تكون غائبة ليست عن أيدينا وألسنتنا فقط، بل عن عقولنا وقلوبنا أيضاً. ففي الزمن الذي ينتشر فيه الفساد والانحراف من كل صوب وحدب، يلزم على الإنسان المسلم عدم الاكتفاء بالتفرج، وينبغي عليه التحرك من مكانه طلباً للإصلاح وتغيير المنكرات، ولكن وفق الضوابط السلمية والعقلانية التي يدعو إليها دين الإسلام.
لقد نهض الإمام الحسين (ع) مذكراً المسلمين بمثل قوله تعالى: ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ?، هل لاحظت كيف قدَّم الله عز وجل الإصلاح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان به جل جلاله؟!. إن الفلاح في نظر القرآن الكريم هو: ?وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? .. فالفلاح الذاتي والأسري والاجتماعي هو في الإصلاح، والإسلام يقول بأن ترك الإصلاح مهلكة للنفس وللآخرين، ويرى أن الحريق إذا وقع في بيت واحد ولم يستدرك، فإنه ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة، وأن من نظر إلى حية تؤم آخر لتلدغه ولم يحذره حتى قتلته، فلا يأمن أن يكون قد اشترك في دمه، وكذلك من نظر إلى شخص يعمل الخطيئة والمنكر ولم يحذره وينبهه فلا يأمن أن يكون قد اشترك في إثمه.
في رواية عن النبي الاكرم (ص) في وصف الإمام الحسين(ع)، يقول: "إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة"، فلنختر عزيزي القارئ أن نهتدي بمصباح أبي عبدالله الحسين (ع) من خلال دروس نهضته العظيمة، والاقتداء بنهجه الأخلاقي الإصلاحي، حتى نركب سفينته فننجو بإذن الله عز وجل.
|
|