إنّها الحوراءُ .. "مئذنة الطف" و "إعلام" النهضة..
في كربلاء: انتهت المأساة.. لتبدأ المسيرة
|
مأساة كربلاء انتهت بسفك أزكى الدماء، وسبي أطهر النساء، وفاجعة لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ، وبدأت من بعد ذلك مسيرة جديدة، لأن هذه المأساة تحولت مع الزمن إلى مسيرة، وهذه المسيرة تحولت إلى حقائق راسخة توغلت في عمق الإنسان حتى أصبحت جزءاً منه وكأنها من سنن الكون. ولكن من الذي قاد هذه المسيرة؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال لابد أن نلفت النظر إلى دور الثقافة في النهضة، فكلّنا يعلم أن الثقافة هي عصب النهضة، وعلى قاعدة التوحيد والايديولوجية تبنى النهضات، ومن هذه القاعدة تنطلق. ولولا إيمان الثائرين الذي يدفعهم إلى التضحية من أجلها، لما كانت الثورات والنهضات ممكنة الحدوث في الامة عبر التاريخ، بما كانت تملك من بطولات، ومن شجاعة.
ولم يكن ذلك ليحدث.. لولا ذلك اللسان الناطق بإسم النهضة الحسينية، والمتمثل في زينب الكبرى(ع) التي حملت مأساة كربلاء معها تطوف بها كل أرض، وكل مصر: (وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا). هذا هو دور الثقافة، دور الإعلام، إن الشيء الذي يحيي الشهيد ويميته هو الإعلام، لذلك فإن مسؤولية الباقين من بقايا السيف مسؤولية أكبر من مسؤولية الماضين، والسائرين على درب السبط الشهيد(ع). أنها بحق الحوراءُ "مئذنة الطف" السامقة، عقيلة آل هاشم .. التي "عاشت الشهادة" وشاركت في "صنع النصر"
وهلك يزيد لعنة الله عليه، ونهجه، واستطال الحسين عليه السلام، ونهجه، وصدقت حكمة الصديقة زينب(ع) لإبن زياد(لع) بعدما سألها كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟!. فقالت: "ما رأيت إلا جميلا !، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاج وتُخاصم فانظر لمن الفلج (أي النصر) يومئذ ثكلتك أمك يابن مرجانة". وهذه صورة من صبر الصديقة زينب(ع) وشجاعتها وهي صور تعكس عمق ذلك القلب المؤيد بنور الإيمان. وحين نقرأ خطاباتها نعرف انها لا تصدر إلا عن قلب مطمئن بسكينة الإيمان، واثق بالنصر الإلهي موقن باستقامة طريقه وسلامة منهجه. أنها زينب عليها السلام "إعلام" النهضة الحسينية، علم واسع، وحكمة بالغة، وخطاب فصل، وشجاعة ربانية، وأدب نافذ، وتعبير فصيح، وبلاغة علوية فاطمية.. فكانت زينب(ع) الشاهدة على نهضة السبط الشهيد لأنها حملت رسالتها إلى الآفاق، ولان النهضة أساسًا كانت تهدف بعث زلزال في الضمائر. فإن دم الشهداء كان سيذهب سدى من دون دور الشاهدة العظيمة زينب(ع)، ودور الشاهدين الآخرين معها. وكانت تلك حكمة حمل الإمام الحسين(ع) حرمه معه، وقد قال له رسول الله(ص) في رؤياه الصادقة قبيل خروجه من المدينة "لقد شاء الله أن يراهن سبايا".وهكذا حملت وبلغت زينب(ع) رسالة الحسين(ع)، لكي توقظ الضمير السابت، وتهز الوجدان الهامد، وتفجر طاقات الرفض في امة التوحيد، عبر خطابها الجماهيري، فكانت ميثاق النهضة ومنشورا للرفض، وقد ساهمت في إشاعة أدب وثقافة التحدي في الأمة.وهكذا أيضا كان بكاؤها واقامتها لمجالس العزاء التي مازالت مستمرة حتى اليوم وستبقى مدى الدهر، بمنزلة مؤسسة إعلامية تتميز بالتعبئة العاطفية، و التوعية الدينية إلى جانب التزكية والتربية. فكان بكاء السيدة زينب(ع) فضلا عن كونه بكاء عواطف جياشة بالنوح والحزن والألم على المصاب العظيم من جانب، كان ذا هدف رسالي، حيث انه لم يكن بكاءً ذليلا، ولا ندما على ما مضى، وإنما كان بكاء تحد وايقاظ..
|
|