ديموقراطية ومخاض وولادة !
|
اعتدل الخبير الاستراتيجي والمثقف الموسوعي في جلسته، وقال وهو ينظر الى السقف، وقليلاً الى قدميه، "اننا نعيش مخاضا ديموقراطيا، والايام حبلى بالمفاجآت" ثم صمت برهة بانتظار ان اعلق!. فقلت: سيدي الخبير المثقف الجهبذ، اولا: على قصة الحبلى لدي سؤال بسيط، لا اعرف لماذا تتشابه كلمات الحبل الذي نعلق عليه ملابسنا، ومعارضينا، والحبل والحبلى، وتعني الحمل، الا يفترض ان تكون هناك علاقة ما بينهم!؟. وثانيا: هل انت خبير استراتيجي ومثقف متبحر، ام "قابلة" حتى تحدثني عن "المخاض والحمل!".
اعتدل مرة اخرى، ومثل اي مثقف من ذوي الدم الثقيل، قال: يعجبني سؤالك الوجيه، واسمح لي ان اشير الى ان سقراط معلمنا الاول، الذي علمنا الحوار، كان ابن "ولادة"، يعني "قابلة" ولا يفعل سوى ان يوّلد الافكار، من رحم العقل!. قلت له: صحيح انه مخاض وطلق وولادة، ولكن هناك فرق، في الافلام الاجنبية تعتبر لحظات الولادة من المشاهد المفرحة في الفيلم، حيث يترقب الاب، وتعاني الام تنظر لحظة الولادة بفرح، والاطباء يساعدون بكل حرفية... المخاض صعب، ولكن في النهاية يأتي الطفل الى هذا العالم وتحتضنه الام بحنان، واذا افترضنا ان الجماهير هي الأم، فأن المخاض والطلق تم بعقلانية، والجماهير التي "توحمت" الحرية والديموقراطية، حصلت على مرادها لان الأب عليه اتباع الجماهير لا الجماهير تتبعه!
في الافلام العربية (المصرية)، مشهد الولادة من مشاهد الرعب، صراخ يصل الى القطب الجنوبي فتنط البطاريق في المحيط خوفا، وتخرج القابلة من الغرفة، وتأمر الزوج "عاوزه طشت ميه سخنة وفوطة" والأم تصرخ والأب يعيش الرعب، والقابلة تهتف!. الجماهير "تتوحم" ايضا مثل غيرها، وتطلب ليس الديمقراطية المضروبة التي سلفنت لها على عجل، مصحوبة بأطنان من اصباغ المكياج، فهي ملّت منها لكثرة تسلمها مع كل حصة تموينية، بل تطلب من بعلها الكاشخ بأخر موديلات اربطة العنق والبدلات اللماعة المنسقة مع الساعة والقلم والسبحة التي يفركها بيده الكريمة، الوفاء والصدق، وتطبيق جزء بسيط من الوعود الوردية، خدمات بالحد الادنى، والكف عن الفساد ودعمه وحمايته، و... ولكن الزوج النصاب، بارع في الحيلة والهروب والتبرير والتباكي و.. فينال في كل مرة رضى الزوجة والابناء سريعا ومعها الف قبلة وربما مصحوبة بدموع حرى !
"فوطة وطشت ميه" لا ينجبان ديموقراطية سليمة، ولا حقوقا انسانية، بل طفلاً يثير الرعب، تتمنى بعدها الأم لو انها لم تحبل ولم تنجب ديمقراطية، او ثورة !، وهذا ما تقوم به فضلات الديمقراطية المضادة، والثورة المضادة من الداخل وبدعم بترولي من الخارج من اجل تشويهها.. من اجل ان يتمنى الجميع ان تعود على ما كانت عليه، وليقول بعضهم شامتا، او متبرما ساذجا " رحم الله صدام، كان احسن النه من هالوضع" !، وهكذا عربيا ايضا يقول احدهم " "ايييييه فاكر ايام مبارك دي كانت ايام حلوة"!. يهمهم كثيرا ان يفشل التحول و التغيير في العراق، والثورات في بلدان المنطقة، وتسقط في مجاهل الفوضى والحروب الاهلية، ليس حبا في حكام هربوا وخلعوا ورحلوا بل خوفا من ان تصلهم امواج التغيير، ويقفوا في طابور الهاربين، عندها لن يجدوا ملجأ لهم، بعد ان كانوا مأوى لكل هاتك حق، ومغتصب ضمير!
|
|