قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

ثقافة الاستقالة
عامر القيسي
"يوكيو هاتوياما"معظم العراقيين لايعرف عنه شيئا، ولولا صلتي المباشرة بالاخبار و"طلايبها" لما عرفت شيئا عن الرجل. باختصار انه رئيس وزراء اليابان الذي استقال من منصبه الرسمي ومن رئاسة حزبه في حزمة واحدة. وكما يقال الامثال تضرب ولا تقاس حتى لايساء فهم كلامنا هذا بانه موجه الى شخص ما أو جهة سياسية ما. انه نموذج لثقافة مازالت بعيدة عنّا ملايين السنوات الضوئية "قياسها على ما أظن 168 الف ميل في الثانية". الرجل، الذي يبلغ من العمر 63 عاما قال في قرار استقالته بعد اعتذاره للشعب"انني انتهز الفرصة لاعتذر عما سببته من ضيق كبير للشعب، واقر بان عمل الحكومة لم يفهمه الشعب جيدا، لقد فقدنا اصغاءه"، والفترة الزمنية التي حكم فيها يوكيو هي ثمانية اشهر فقط.
استقالة وزير الكهرباء، على ايجابيات استجابتها للضغط الشعبي، ويقال بطلب من رئيس الوزراء، الا انها في كل الأحوال قد تؤسس لنا ثقافة معزولة عنّا، او نحن منعزلون عنها، والأسباب عديدة. فالسلطة مازالت لدينا وعند غيرنا، مغرية وجذابة، لكن الفرق بيننا وبين العالم المتحضر بثقافة الاستقالة، ان اغراءها وجاذبيتها، مرتبط دائما بحضور الناس في محافلها، في استجابتها لطموحاتهم، في تحقيقها لوعودها الانتخابية، في تفرغها لهموم الناس ومشاكلهم ومعاناتهم، اغراؤها في نجاح برامجها وتأييد الناس لها، في حين ان اغراء السلطة لدينا وجاذبيتها، مقترن شرطيا بالامتيازات والجاه والتمسك بقوة الكرسي وسلطانه.
لكي تقيل الحكومة مدير شرطة في محافظة ما، تتحول القضية لدينا الى أزمة سياسية، وتغيير مدير عام من كرسي الى كرسي آخر، هي عملية اقصاء وتهميش ومحاصصة وطائفية. وفي كل الجو العام العراقي الملتبس، وتقارير الفساد، والاحالة الى القضاء، لم اسمع شخصيا، وربما يشاطرني في جهلي هذا الكثير، ان مسؤولا عراقيا قدم استقالته على خلفية فساد مالي في وزارته، ولم اسمع ان مسؤولا عراقيا كبيرا كان أم متوسطا، تحلى بجرأة كافية ليظهر من على شاشات الفضائيات، لا لكي ينظّر ويستعرض، لكن ليقول كما قال يو كيو"لم يعد احد يصغي الينا فلنترك الكرسي لغيرنا". ربما نتجنى على حقائق الواقع العراقي عندما نطالب ان يقوم المسؤول الفاشل في مهمته، بتقديم استقالته من تلقاء نفسه، فيخسر الامتيازات، المادية منها والمعنوية، خصوصا وان ليس ثمة مجال لمقارنة خسارته المادية أمام احترام الشعب لجرأته، وتغليبه المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. البحث عن مسؤول من هذا الطراز في هذه الضروف يبدو ضربا من المستحيل.. وفي كل الأحوال، لاأعتقد باننا سنسمع اخبار استقالة قادة، لاننا صراحة لم نعد نصغي للمسؤولين"ورحم الله يوكيو الذي ذهب الى بيته وهو يعتقد بان المواطن الياباني، يدفع اجور الطاقة الكهربائية لصاحب المولدة الذي يتلاعب بأعصابه!!