قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

السبيل الى القمـة.. زمام المبادرة والطموح نحو الافضل
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *عبد الخالق محمد علي
تعددت الطرق والسبل نحو تحقيق الواقع الاسلامي الأفضل والارتقاء بوضع الأمة مما هي فيه من تردي وتراجع على مستوى الفرد والمجتمع، والمشكلة اليوم تتمثل في عدم وجود الضابطة أو المعيار الذي يحدد صوابية هذا الطريق أو ذاك السبيل، فالجميع يدّعون الصواب، بل أنهم الأصوب والأقرب الى الهدف!
أمامنا القرآن الكريم ونحن نواصل هذا الجدال العقيم، وفي سورة آل عمران يحدثنا ربنا سبحان وتعالى عن كيفية بلوغ الأمة مرحلة الاقتدار في الدنيا، وتحقيق الفلاح في الآخرة. وقد أمرنا الله تعالى في هذه السورة بعملين: أحدهما يكمل الآخر؛ التمسك بالكتاب، ثم التمسك بالنبي وآله (عليهم الصلاة السلام).
ومن المعلوم ان الكتاب هو الطريق، والنبي قائد هـذا الطريـق؛ والكتاب فكرة والنبي هو الذي يبين هذه الفكرة. فالكتاب لم ينزل من السماء على شكل قراطيس، بل انزل علـى قلب النبي (صلـى الله عليه وآله)، ثم أمره تعالى ان يبينه ليزكـي الناس، ويعلمهم. يقول الله تعالـى: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهـِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِــهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِيــنٍ" (آل عمران / 164).
وإذن، فنحن بحاجة الى عنصرين مهمين هما: الامام والشريعة. وعندما يأمرنا الله تبارك وتعالى بالتمسك بهذين الاساسين، فانه يشير الى انهما يمثلان حبلاً واحداً. ومن هذا المنطلق فان النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى المسلمين قائلاً: (اني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض).
*التقـوى أولاً.
مع تسليمنا بما سلف، لنا أن نتساءل عن الآلية التي تمكننا من الوصول الى (الامام والشريعة)؟ ويجيبنا القرآن الكريم بكل وضوح شفافية في خطابه الى المؤمنين: "يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ" (آل عمران /102). والخطاب موجه هنا الى المؤمنين بشكل مباشر، فيأمرهم تعالى ان يتقوه تقوىً تتناسب معه؛ أي مع الرب الذي خلقنا من نطفة، ثم اودع هذه النطفة في اصلاب آبائنا، وارحام امهاتنا، والذي خلقنا طوراً من بعد طور، وحفظنا من آلاف الاخطار، فهو محيط بنا علماً، ويعلم ما توسوس به انفسنا. فعلينا - إذن - ان نعرف من نتقي. ثم يقـول عـزّ وجل: "وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ" (آل عمران /102).
ومن خلال هذه الآية يمكننا ان نستوحي بصيرة؛ وهي ان الانسان عندما يعصي الله ولايتقيه فان هذه المعصية سوف تستدرجه، وتدفعه الى ان يرتكب ما هو أكبر منها حتى يفقد ايمانه. وإلا فان القلّة من المؤمنين من يحتمل أنه سيموت على غير دين الاسلام، والسبب في ذلك عدم وجود حصانة التقوى في نفسه، ولو كانت فعلاً لكان يستشعر الذنب والمعصية في كل حركاته وسكناته، ولعل هذا مصداق القول الإلهي "حقّ تقاته".
*نعمة الإسلام.
الوحدة؛ من أهم عوامل القوة والمنعة في الإسلام منذ بزغ فجره ويبقى كذلك، هذا المفهوم طالما أكد عليه القرآن الكريم والرسول الأكرم وأيضاً أئمة اهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، كما بينوا مآلات التفرقة والتشرذم في صفوف الأمة، والحقيقة نجد اليوم مصاديق هذه المآلات والعواقب الوخيمة لعدم تمسكنا بتعاليم ديننا الحنيف والانكفاء على مصالحنا وذواتنا.
هنا التعبير القرآن جميلٌ ودقيق في الوقت ذاته، فهو لا يطالب بـ (الوحدة) بالمعنى الحرفي وبدلالته المحدودة، إنما قال: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا" (آل عمران/103). والاعتصام غير الوحدة، كما هو معروف عند أهل اللغة، وأقل ما يمكن قوله في هذا الاطار؛ إن الاعتصام تصرف يصدر من العاقل بقصد التحصّن والالتجاء الى شيء ذي أهيمة وشأن كبير، أما الوحدة فهي حالة ربما تصدق النبات والحيوان والجماد، والوحدة عكس التفرّق والتناثر. وعليه كان التأكيد على الاعتصام بالكتاب والقيادة الربانية المتمثلة في شخص الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ثم الفقهاء العدول. وهؤلاء جميعاً يشكلون حبل الله المتصل بين الأرض والسماء.
ويذكرنا سبحانه وتعالى بنعمة الاسلام الذي سجّل أول انجاز حضاري له وهو توحيد صفوف القبائل المتناحرة في الجزيرة العربية: "وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَاَصْبَحْتُــم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانـاً" (آل عمران /103).
*نشر الفضيلة في العالم.
من المفاهيم الأساس التي أرسى الاسلام دعائمها هو نشر رسالة التوحيد والتبليغ للقيم الاخلاقية والدينية الى البشرية جمعاء، كما قام بهذا الدور الرسول الأكرم مع ثلّة من اصحابه الكرام رغم قلّة عددهم، ودعامتنا في ذلك الآية الكريمة من سورة آل عمران: "وَلْتَكُن مِنكُمْ أمة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" (آل عمران/104). في هذه الآية بيان للطريق الذي نستطيع من خلاله ان نحافظ على الأمة، بحيث لاتتحول الى فرق متناحرة. من هذا المجال لابد من القول اننا لانستطيع ان نمنع الانهيار والتمزق بالشعارات والخطابات، بل لابد من التمسك بالقرآن والقيادة الربانية التي أمر القرآن باتباعها. فيجب ان تتفرغ الأمة كلها للدعوة الى الخير، وان يكون هناك رجال يحافظون على وحدتها، لانه هنالك شياطين الانس الذين يعملون على تمزيق الأمة، وإثارة الخلافات والفتن بين صفوفها، لكن كيف السبيل الى ذلك؟
في هذا المجال علينا ان نتساءل: ماهو جهاز الدعوة والتبليغ الذي يجب ان نشكله، وكيف ننشر الفضيلة في العالم؟
اننا نمتلك نور القرآن الكريم، وعلينا ان نوصل هذا النور الى اقصى بقعة من بقاع الارض دون ان نتهرب من المسؤولية، لان الاعداء قد غزونا بثقافتهم في عقر ديارنا. بينما استطاعت الاجيال السابقة ان تحافظ على هذا الدين، وان توصله إلينا. ونحن ايضاً علينا ان نتحمل مسؤولية ايصاله كما هو الى الاجيال القادمة. فعلينا ان نفكر بشكل موضوعي، وان نصمم على تنفيذ جميع الواجبات الشرعية، ومن ضمنها فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالانسان يعرف نفسه قبل ان يعرفه الناس كما يقول تعالى: "بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ" (القيامة/14-15). وعليه لا مجال للتهرب من المسؤولية لانها معلقة برقبة الانسان، وعن ذلك يقول سبحانه: "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ" (الاسراء /13).
من هنا علينا ان نواجه الحقيقة بكل شجاعة، ونقر بان الله تعالى قد قدم إلينا برنامجاً علينا ان نطبقه، وانه قد استضافنا في دار ضيافته الكبرى وهي الجنة، وهذه الجنة بحاجة الى دليل نتمسك به، وهذا الدليل يتجسد في الرسول وأهل بيته عليهم السلام. وعندما نتمتع بروحية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فان العلم كله سوف لايستطيع ان يتغلب علينا، لان المدافع هو رب العزة، ولان هذه الفريضة لاتقدم اجلاً، ولاتقطع رزقــاً.
يجب على كل واحد منّا ان يتحول الى منبر للدعوة الى الخير. كما جاء في الحديث الشريف عن الامام الصادق، عن آبائه قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) يقف عند طلوع كل فجر على باب علي وفاطمة يقول: (الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل الذي بنعمته تتم الصالحات سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه عندنا، نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من صباح النار، نعوذ بالله من مساء النار، الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).
وفضلاً عن ذلك فان علينا ان نعمل - ما استطعنا الى ذلك سبيلا - من أجل المشاركة في انجاز المشاريع التي من شأنها ان تنشر الرسالة الاسلامية كأن نؤسس حسينية، او نشكل مكتبة يتعرف فيها الناس على الفكر الاسلامي، او كأن نعمل من اجل اصدار الكتب وتوزيعها... ومن ثم فان هناك مجالات كثيرة مفتوحة امامنا يتجسد من خلالها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لان هذه الفريضة ذات مفهوم واسع وشامل لايمكن ان ينحصر في مجالات ضيقة محدودة.