قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
بصائر... قبسات من رؤى ومحاضرات سَمَاحَة المَرجِعِ الدّيني آيةِ اللهِ العُظمى السّيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسِي
التواضع والتحاور يعزز قوانا ويفتح أمامنا آفاق التقدم
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / بشير عباس
لماذا تقع الحادثة الواحدة على أمة من الأمم أو على شعب من الشعوب أو على مجتمع من المجتمعات فتكون لها آثار إيجابية بينما ذات الحادثة تقع على آخرين فإذا بهم ينهارون؟
من ناحية التأثير الذي تتركه الكارثة الطبيعية مثلاً، فهي واحدة على البشر، فالعواصف والأعاصير والبراكين تدمر المدن المتحضرة كما القرى والمناطق الفقيرة، وكذلك الكوارث غير الطبيعية التي ينتجها الانسان مثل الاحتلال العسكري والحروب، فانها تحتفظ بسماتها وافرازاتها على مختلف الصُعد. هذا من الناحية الظاهرية، لكن إذا نظرنا الى الجانب الانساني في خضم الابتلاءات والاختبارات، و دوره ومكانته في الحياة، نكون قد اقتربنا من الاجابة على السؤال الآنف الذكر.
*ثقافة تحويل الحرب الى انتصار
صحيح إن بعض الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية لاتبقي ولا تذر، وتأتي بالدمار على (الأخضر واليابس)، لكن نجد البعض الآخر من هذه الكوارث قد جوبهت بتحدٍ من لدن هذا الانسان الضئيل الحجم – مادياً- أمام الهزات الأرضية الرهيبة أو أمام السيول الجارفة بل حتى أمام الحروب المدمرة. ولذلك نسمع إن زلزالاً يقع في اليابان وبدرجة ستة على مقياس ريختر، ويكون ضحاياه بعدد الأصابع، أما في بلداننا فإنه زلزالاً بنصف هذه الدرجة من شأنه أن يحدث كارثة انسانية مروعة، فتنهار المباني على رؤوس ساكنيها على حين غفلة. ويكون الضحايا من القتلى والجرحى بالمئات .
وصحيح أيضاً؛ إن الاحتلال العسكري لا يمكن أن يُسمى (تحريراً) ولا (تحرراً) ولا (حضارة)، لكن الصحيح أيضاً إن الاحتلال العسكري يقع على اليابان أو على ألمانيا فإذا بهاتين الدولتين اللتين خرجتا من الحرب العالمية الثانية عام 1945 منهارين، وكل شيء عندهما مدمر ولم يكونا يملكان و لا قرشاً واحداً، يحولان الاحتلال وهو شيء سيسيء الى نقطة ايجابية وينطلقون ويبنون بلدهم، وإذا اليوم اليابان تتحول في القرن الماضي الى معجزة تسمى (المعجزة اليابانية)، وكذلك ألمانيا تصبح أكبر وأقوى دولة في أوربا اقتصادياً وتجارياً، بينما نفس الاحتلال العسكري يقع على بلد من بلداننا الاسلامية وإذا به ينهار ويتمزق ويتشتت أهله كما نرى ما آل اليه الوضع في الصومال - مثلاً-. إذن؛ ما الفرق بين هذا الشعب وذاك وبين هذا الأمة وتلك؟
الفرق يكمن في الثقافة التي يتبناها المجتمع، فهي التي تحمل هذا المجتمع وهذا الشعب على النهوض والتقدم أو قد يحصل العكس، فتثبطه وتقبره في الأرض. إن الصنمية والعصبية والتذبذب والانهزامية هي التي تخلق الجبن والتخاذل والقبول بالأمر الواقع مهما كان، أما ثقافة الاقدام والوحدة والعطاء والتحدي فهي تخلق البناء والعمران والتقدم، ولذا فان ما نراه من تقدم سياسي واقتصادي واجتماعي وحتى أمني، لم يأتِ من فراغ بالمرة، إنما هو قائمٌ على تراكمات من العوامل الانسانية المبدعة. ونجد الخسارة والهزيمة يكون من نصيب المجتمع الذي يتداول مقاولات من قبيل: (اليد التي لا تستطيع ان تقطعها فقبلها)! أو (الذي يأخذ أمّي يكون عمي)!
ولنا في التاريخ الكثير من العِبر والدروس أبرزها ما حصل لسفير الامام الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل في الكوفة، فعندما إجتمعت الآلاف حوله، وإذا بهم يقولون: (مالنا والدخول بين السلاطين)، وهم يشيرون في ذلك الى ان القضية تدور برمتها حول السلطة والحكم بين الامام الحسين (عليه السلام) ومن خلفه بني هاشم، وبين يزيد من خلفه الأمويون، حسب تصورهم طبعاً، وكان بامكان أهل الكوفة أن يحولوا دخول مسلم (رضوان الله عليه) الى الكوفة في ظل هشاشة الوضع السياسي، الى أكبر نصر للعراقيين وللاسلام، بل لكان أهل الكوفة قد غيروا مجرى التاريخ، ولكن مجموعة من الناس المثقفين بثقافة شريح القاضي والتي قالت لهم: (لو حكمكم عبدٌ أسود فاسق فاسكتوا وسلموا له الامر)، هي التي جعلت الأخ يسحب أخيه والأم تسحب أبنها من تجمع مسلم، ويقول بعضهم للبعض الآخر: (يكفيك الناس ...)، والمفارقة إن أهل الكوفة قدموا الكثير الكثير من دمائهم وسمعتهم في التاريخ، رغم إنهم تصوروا أنهم بالتخلّي عن مسلم سيسلمون وينعمون بالحياة الهانئة، بينما العكس كان هو الصحيح.
*دعوات لعدم قراءة القرآن الكريم!
إن أول من أهدى البشرية ثقافة التحدّي والإصرار على البناء والتقدم هم أنبياء الله (عليهم السلام)، ونحن نلمس هذه الثقافة في الإسلام وفي القرآن الكريم، ولعل معجزة هذا الكتاب السماوي المجيد ليس فقط في لغته العربية الباهرة، وإن كانت هي كذلك حيث حوى القرآن كلمات بليغة ليس لها مثيل، وقد تحدى العالم كله بأن يأتي بمثل هذا القرآن، فلم ولن يستطيعوا أن يأتوا بمثله، منذ بزوغ فجر الإسلام والى اليوم والى الأبد، لكن معجزة القرآن تجاوزت البلاغة إلى حيث الأفكار والقيم والحضارة، فإن لم نكن اليوم بين يدي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لتكتحل أنظارنا بجمال الحضارة الاسلامية، لكن بين أيدينا القرآن الكريم الذي من شأنه أن يرسم لنا طريق الحضارة ويحدد لنا القواعد والأسس، وهي القواعد والأسس التي بُنيت على أساسه حضارات أخرى.
هنا السؤال: كيف يكون القرآن الكريم بين أيدينا ونحن ما نزال متخلفون؟ وكيف نقول إن القرآن نور ونحن نعيش الظلام؟ بل كيف نقول: القرآن معنا ونحن مع القرآن؛ نقرأه ونتدبر في آياته ومن ثم تجدُنا لا زلنا متمزقين ومتخلفين ومتشتتين ومتشرذمين؟!
لقد حيكت مؤامرات كبرى ضدنا لإبعادنا عن القرآن الكريم؛ يقول البعض: أنت لا تفهم القرآن، ولا تفكر أنك ستفهمه يوماً ما! وهنالك من قالوا بأن هذا الكتاب نزل للعلماء وليس لك! فيما قال آخرون: اقرأوا القرآن على القبور! بل قال آخرون: لا تقرأوا القرآن، انما اقرأوا فلسفة أرسطو وافلاطون واليونانيون و ماوتسي تونغ و ماركس و....! وهل اصبحت رجعياً ؟!
هذه المؤامرات التي وقفت خلفها الأيادي الصهيونية هي أبعدت الناس عن القرآن الكريم، لكن في نفس الوقت يجب أن نتذكر الفضل الكبير – والفضل من الله تعالى- لعدد من العلماء والمفكرين المجاهدين الذين سعوا وبذلوا الغالي والنفيس لإعادة الأمة الى أمجادها وثقافتها، وفي طليعة هؤلاء المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس سره) وشقيقه الشهيد والمفكر الاسلامي الكبير آية الله السيد حسن الشيرازي والشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، وآخرين من الشهداء الذين رفعوا القلم والمداد وكان أعظم من دماء الشهداء، لأنه هو الذي أيقظ المسلمين في العراق وفي بقية البلاد الاسلامية.
والمفارقة هنا؛ ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى فقدان تلك الرموز العظيمة والساطعة، أنهم لم يواجهوا الصعاب والضغوطات من عدوهم وحسب، إنما كانوا يعانون من الصديق أيضاً، فكانوا يعانون من الشخص الذي يقول له: لا شأن لك بهذا التيار الفكري وإن كان منحرفاً! أو ما الفائدة من تأليف هذا الكتاب؟! وما فائدة الخطاب الجماهيري الذي تلقيه؟! أو لا يجب أن تقيم وتشيّد هذه المؤسسة أو المشروع!
إنها حقاً حالة غربة حقيقية داخل الوطن وبين الأهل وبين من هم على دين ولغة واحدة. يقول المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله) باني ألفّت كتباً من دون ذكر أسمي عليها خوفاً من الناس في السنوات الخوالي، وليس من الحكومات، ومن الذين تعرضوا لأعمال التسقيط جمال الدين الأفغاني (رحمه الله)، ذلك الرجل الذي أيقظ الشرق، فبعدما مات أشاعوا بأنه مسيحي أو يهودي! وهذا من فعل (الطابور الخامس) وعناصره الذين تكلموا لفترة من الزمن على علمائنا وفرقوا بين عالم وآخر، ولكن نؤكد إن عشرات الفضائيات التي تنقل أحاديث العلماء المستوحاة من كلمة الاسلام ونور الدين والتي دافع من أجلها شهداؤنا وعلماؤنا، لم تكن لولا جهود وتضحيات أولئك العلماء الأبطال، فبقت رايات الدين مرفوعة على رؤوسنا، ولهذا السبب بدأوا يشعرون بالخوف من عالم الدين، ومن هذا النوع من العلماء، طبعاً يبقى الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، وهذه طبيعة الناس في هذه الدنيا.
*تحدي المؤامرات
إن العراق والشعب العراقي ما يزال يواجه المكائد والمؤامرات، وهي ليست وليدة اليوم، إنما تعود ما قبل سقوط النظام البعثي، لكنها اشتدت بعد السقوط، ولعل المتآمرين والمتربصين الشرّ بالعراق لم يتركوا سهماً في جعبتهم إلا وأطلقوه على هذا الشعب؛ وهذا ما تفعله الفضائيات... وقد دخلت الأموال الطائلة الى العراق في محاولة لتحريف الأذهان، وأيضاً لدعم الأعمال الارهابية المسلحة ضد هذا الشعب، لكن ما يبعث عن التفاؤل صمود هذا الشعب و وقوفه بقوة أمام هذه المؤامرات ولله الحمد، وعليه بالحقيقة فان الذي يريد للعراق ان يتمزق ويتشرذم ويعود الى الحرب الطائفية والأهلية ويعود الى المربع الأول، عليه أن يأخذ أمنيته الى قبره، لأننا نملك أعظم شيء وهو ديننا وقيمنا و ولايتنا لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) التي تشكل عصمة لنا، وهذا ما عبّرت عنه الصديقة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الفدكية المعروفة في مسجد أبيها (صلى الله عليه وآله) حيث قالت: (...و ولايتنا حصن للأمة)، فهذه الولاية هي الكهف الحصين و الصراط المستقيم والعروة الوثقى، وهي التي أمرنا الله تعالى بالتمسك بها؛ "واعتصموا بحبل الله جمعياً ولا تفرقوا".
ذكر مصدر مسؤول في كربلاء المقدسة إنه حسب الاحصائيات الرسمية فان كربلاء المقدسة استضافت السنة الماضية حوالي 35 مليون زائر. إن هذه الملايين الزاحفة لم تأت عبثاً، فهؤلاء الناس ليس فقط يستغنون عن راحتهم ومصالحهم، إنما يدفعون الأموال في سبيل الإمام الحسين (عليه السلام)، وهذا لن يكون دون مقابل، فهؤلاء الزائرون يحملون الإيمان و الولاء والمحبة، لكن في الجانب الآخر نجد هنالك من يتصور ويتخيّل أن بامكانه ثني إرادة هذا الشعب وتفتيت عزيمته، وذلك من خلال ما حصل في الآونة الأخيرة من تفجيرات طالت مدنيين آمنين في مساكنهم في بغداد، والمثير أن هنالك بعض الأطراف من يبارك ويؤيد من يترك المتفجرات في شقة سكنية ليهدم البناية على رؤوس ساكنيها من رجال ونساء وأطفال، و يسمي ذلك (نظالاً)! إن اصحاب هكذا عقول هم أحفاد أولئك الذين خاطبهم الإمام الحسين (عليه السلام) قبل حوالي أربعة عشر قرناً من الزمان، حيث قال للشراذمة الذين كانوا يرومون اقتحام مخيم الإمام وهو طريح على الأرض مثخن بالجراح: يا شيعة آل أبي سفيان؛ إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تؤمنون بالمعاد فكونوا أحراراً في دنياكم وكونوا عُرباً كما تزعمون... فانا الذي أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم وجهالكم عن التعرض لحرمي ما دمتّ حيّا...)، ويذكر لنا التاريخ إن الشمر (لعنه الله) استجاب لهذا الطلب وأعاد أفراد جيشه الى الوراء. أما اليوم فنرى العجب العجاب من قومٍ لا يتورعون عن قتل الأطفال والنساء وهم في بيوتهم ولا شأن لهم بالسياسة، وربما يكون هؤلاء من جملة الممسوخين، وقد عبّر عنهم الله تعالى في القرآن الكريم بالقردة والخنازير.
*التمسّك بالعروة الوثقى
إن الشعب العراقي يسعى دائماً لأن يتمسك بالحبل القوي ويسمى بالعربية (العروة الوثقى) أي الحبل المتين، وهو حبل القرآن الكريم وحبل الولاية لأهل البيت (عليهم السلام)، وهنا يأتي دور العلماء والخطباء والمفكرين وكل من له القدرة لمساعدة هذا الشعب على العودة الى القرآن لأنه نور و حياة، وفي الحقيقة هو الذي يفتح لنا الطريق ويبين لنا ما هي مسؤوليتنا؟ وفي سورة (الأنعام) الى جانب آيات متشابهة في سورة (الأعراف) يعطينا ربنا سبحانه وتعالى درساً من الأمم السابقة حتى نعتبر بها يقول: "وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ"، فإذن، الهدف الأسمى من البأساء والضراء هو ان يصل الانسان الى مستوى الضراعة، و هي التي تزيل الحجب ما بين الانسان وبين ربّه، فيرى هذا الانسان الله في قلبه ويتوجه اليه بصدق النية، ثم ان الله تعالى في بعض الأحيان يبتلي الانسان بالشدائد والمحن، فيقول: يا إلهي ! أنا مستهدف من كل الجهات ومبتلى، وهو لا يدري لعل الله يريد أن يرفع شأنه بأن يتكلم معه ويتوسل اليه باستمرار، فهو تعالى يعطي الفرصة للانسان حتى تفتح قلبه على نور الله تعالى وليعطيه بهذا النور أكثر بكثير مما أخذ منه.
كان أبو ذر جائعاً بل يتضور من الجوع، فقال: إلهي أنا جائع هذه الليلة، وأمضى ليلته دون أن يمدّ يده الى ابن بشر حتى الصباح فاستجاب الله له دعاءه، فجاء أبو ذر الى النبي (ص) فقال له النبي (ص): يا أبا ذر هل كنت ليلة أمس تدعو ربك حتى الصبح بأنك جائع؟ فقال: نعم يا رسول الله، و لكن من أخبرك؟ فقال النبي (ص): أخبرني جبرئيل وقال لي: إن الله يقول: (ابلغ سلامي الى أبي ذر وقل له بأني أردت أن أسمع صوته ومناجاته في الليل لذلك لم أعطه من أول الليل). وهذه الحالة موجودة أيضاً في نفس كل انسان عندما يرى أمامه طفله الصغير يتلفظ الكلمات أو الحروف الأولى فيشعر بالارتياح والسرور ليفيض على ابنه المزيد من العطف والحنان والاهتمام، ولاشكّ أن رحمة الله ورأفته وعطفه لاتقاس أبداً بما لدى الانسان المخلوق فهي شاملة وكبيرة.
ومن هنا لابد لابناء الشعب العراقي من الصمود والتحدي لاسيما أهالي الشهداء والمصابين في الاعتداءات الارهابية الجبانة التي تضرب بين فترة وأخرى كيان هذا الشعب، فما هذه إلا امتحانات وابتلاءات ستنتهي وتصبح أحاديث تكتب للتاريخ، فهذه البلاءات والأزمات لها حكمة إلهية وهي أن نتوجه الى الله تعالى وأيضاً أن نشكر النعمة الإلهية وأن لا نطغى بها، أو إذا استتبّ الأمن لا نفكر في المفاسد السياسية والإدارية، وكذلك المفاسد الاجتماعية، وأن نطهّر أنفسنا مما يعلق أحياناً من المقاهي والأندية وغيرها، وهذا في الحقيقة هو النداء الإلهي لهذا الشعب الكريم وللعراق وهو بلد الرسالات والأنبياء، بان لا يذهب وراء هذه السفاسف، ربما هنالك من يقوم بأعمالٍ غير صحيحة لكنه يجب أن يكون أقليّة في المجتمع، لا أن تنتشر حالة الرشوة في أوساط الموظفين أو الشرطة وغيرهم من موظفي الدولة.
*التواضع عند الطاولة الواحدة
إن الفائزين في الانتخابات الأخيرة أعلنوا طوال فترة الحملة الانتخابية أنهم ينذرون أنفسهم لخدمة هذا الشعب والبلاد، لذا فاذا وصل الى مقعد المسؤولية أو المنصب الحكومي يجب أن ينتبه بأن لا ينزلق في المفاسد الادارية بحيث يكون منحيث لا يشعر في عداد السرّاق واللصوص ليس من متجر أو مصرف بالطريقة التقليدية إنما تكون السرقة من قوت هذا الشعب ومن ثروات هذا البلد، وكذلك على السياسيين الذين يشكلون اليوم الكتل النيابية عليهم أن يتنازلوا عن حقهم قليلاً، صحيح إن هنالك استحقاقاً انتخابياً وما إلى ذلك، ولكن هنالك أيضاً منظومة إلهية تصف المؤمنين بانهم: "أذلة على المؤمنين" وأنهم "رُحَمَاء بَيْنَهُمْ"، فالتنازل هنا من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو المزيد من الاتصال والتضرّع الى الله تعالى وهو ما يريده منّا تعالى، حتى تنشرح القلوب وتتبلور الضمائر وتكون أكثر شفافية وتتنزه العقول، وإن لم يحصل التضرع وأصرّ الانسان على التمحور حول ذاته فانه لن يكسب سوى الخسران، لأن ليس بامكانه إدارة شؤون البلاد والعباد وحده، وهذا ما أثبتته التجارب في العراق، وكم هو جميل كلام أمير المؤمنين (ع) وهو يصف الإنسان الميّال نحو التفرّد والديكتاتورية حيث يقول: (مسكين ابن آدم تقتله الشرقة، تؤذيه البقّة، وتنتنه العرقة).
واجه أحد الناس ذات يوم سلمان المحمدي (رضوان الله عليه) وأراد إهانته والتقليل من شأنه فقال له: أ لحيتك أفضل يا سلمان أم ذيل الكلب؟! فقال له سلمان وكانت له لحية طويلة وهو كبير في السن آنذاك، لكنه كظم غيضه ولم يغضب وقال له: سأرى إن مرت هذه اللحية على الصراط فهي أفضل من ذيل الكلب، وإن لم تستطع الجواز على الصراط فذيل الكلب أفضل. إن ذلك الشخص أراد الإساءة الى سلمان ذلك الصحابي الجليل والعظيم، لكنه فضلاً عن استيعابه هذا النمط من الكلام فأنه نصحه أيضاً بأن لا يفكر في مظاهر الحياة الدنيا بل يفكر في الآخرة والصراط حيث المصير النهائي.
*على مفترق طرق
إن القرآن الكريم يقدم لنا بصائر حياتية مهمة عن شعوب ومجتمعات ويقول في سورة (الأنعام): "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كان يعملون"، فالعراق اليوم أمام مفترق طرق، فاذا صار القلب قاسياً ولم تتم الاستفادة من التجربة بحيث تمضي بدلاً من أن تتحول الى رجل يتحدى التجارب والمآسي، فان كل شيء سينهار ونكون مصداق الآية الكريمة التي تأتي في هذا السياق: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتى اذا فرحوا ما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون"، وهذا يحصل في ظل تراكم الضغوط والمنغّصات على الصعيد السياسي، وذلك منذ أيام الانتخابات وما تزال في فترة تشكيل الحكومة، فهنالك من يريد تغيير إرادة الشعب العراقي وأن يتوجه لهم ويركع أمامهم، وهؤلاء هم الشياطين الذين يمتلكون الأدوات والتنظيمات وهم معروفون وربما يأتي الوقت الذي نفضحهم أمام العالم.
أما نحن من جانبنا فعلينا أن نتوكل على الله ونتضرع له ونتمسك بحبله تعالى، لاسيما وأننا نمتلك الخزين الضخم من القيم والتعاليم التي تركها لنا أهل البيت (عليهم السلام)، لاسيما وإن معظمنا قد جلس في محضر الأئمة المعصومين وسمع الاحاديث والروايات وعرف الكثير من السيرة النبوية العطرة، وهذا ما يتطلب الاعتبار والتعلّم، وقبل كل شيء أن نتعلم التواضع فيما بين الأخوة، فمن تواضع لله رفعه الله، والعكس يأتي بالنتيجة العكسية، فمن تكبر فإن الله سيوكل به ملكاً يضرب على رأسه وينزل رأسه الى الأرض، إذن لابد من التقارب والتواضع والجلوس على طاولة واحدة و نتخذ القرار الواحد والخروج بتشكيلة حكومية جديدة تعبر عن مخاض العملية الديمقراطية والانتخابات البرلمانية الأخيرة. فاذا صفت النوايا والقلوب وساد الحب والود بين بعضنا البعض واتحدنا على أعدائنا، آنئذ سينزل الله تعالى الرحمة علينا.