الوعي وتفعيل آلياته في الحياة الانسانية
|
*مكي كاطع الربيعي
في خضم التطورات العلمية المتسارعة بحيث لا يمكننا بأي شكل من الأشكال أن نتابع هذه التطورات بشكل دقيق فضلاًَ عن استيعابها وتوظيف منتوجاتها بما يخدم الأمة والمستقبل، نرى إن الطريق الوحيد والفعال للحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية لهذا الشعب وتعزيز قدرة الانسان (الفرد والجماعة) على مقاومة التحديات، ولا يتحقق هذا إلا بحضور حركة الوعي في الكيان المجتمعي برمته وحضور النهضة في المجتمع العراقي، بحيث تتأسس الشروط اللازمة للانطلاق في رحاب الوعي وآفاقه بعيداً عن أطر التقليد الضيقة أو متاهات التبعية لثقافات أخرى دخيلة.
هذا الوعي هو الذي ينهي كل مفردات التقليد الأعمى في حياة الانسان العراقي الثقافية فتصبح ذاته عارفة متحركة باستمرار نحو الآفاق الثقافية المرجوة، كما أن الوعي وحضور بنوده ومفرداته في حياتنا، هو المهاد الفكري الضروري للانعتاق والتحرر من قيود التخلف الحاصل وأغلال التبعية بكل أشكالها والانطلاق في آفاق نوعية الى الأمام ولم يحصل ذلك إلا بالرغبة الحقيقية في تطوير الذات وتوسيع آفاقها المعرفية والاستفادة من معارف الآخرين وانجازاتهم المفيدة والنافعة، ومن الواضح أن الانسان مهما سما فهو يبقى فاقداً للمعرفة المطلقة، إنما تكون له معرفة ثقافية أو غيرها، وتكون نسبية تُغنى بالحوار والتفاعل والتثاقف.
والبداية في أي حوار تكون في احترام كل طرف لنظيره، وتسليمه الضمني بان ما لدى الأدنى لا يعلو على ما لدى الأعلى، والعكس صحيح بالقدر نفسه، فالحوار لا يعرف العلاقة بين الأعلى والأدنى بل العلاقة بين الأكفاء؛ أولئك الذين يعرفون أن العقل هو أعدل الأشياء توزيعاً بين جميع الناس - كما قيل عن ديكارت – بان ناتج الفعل الجدلي هو تغيير نوعي في الأطراف المتحاورة المتقابلة و المتعارضة، بحيث يجعل من نقطة النهاية مخالفة لنقطة البداية حتماً، ذلك لأن فعل الحوار نفسه كفعل الجدلي يؤلف بين عناصره المتقابلة الواقعة بين أطرافه المتعارضة ويصوغ منها ما يستوعب الأطراف كلها ويتجاوزها صانعاً بذلك بداية أخرى لحوار آخر لا يكف عن التحول والتوالد في إطار الحوار.
فهنا لا بد من تكوين العلاقات السليمة التي تتجاوز الأحقاد النفسية والتاريخية والسياسية حتى نصل الى مرحلة سامية من الفهم العميق في مختلف مدارس الاجتهاد الفكري والثقافي، وبهذا الفهم سوف تتوالد في حياتنا الانسانية حركة دائمة متجهة نحو التطور والتحديث في تجاوز الحال الى المؤمل والواقع الى الطموح، وحتى يسعنا أن نجزم بالقطع أن حياتنا الانسانية في هذا البلد قد أصبحت حياة حضارية تتوافر فيها كل خصائص الحياة المدنية المتقدمة.
|
|