البرلمان الجديد.. والتحديات الرقابية والتشريعية
|
احمد جويد(*)
وردة في المادة (5) من دستور جمهورية العراق الدائم لعام 2005م، بأن "السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية"، وهذا يعني إن السلطة الحقيقية في ظل النظام الديمقراطي هي السلطة التي تنبع من إرادة الشعب والمتمثلة في مجلس النواب المنتخب والمفوض بإرادة كاملة دون ضغط أو إكراه يمارس على الناخب، ونستطيع أن نسمي هذه السلطة بـ(أم السلطات) حيث لا تعلوها سلطة أخرى مهما كان عملها، فهي المراقب والمحاسب لسلطات الدولة ومؤسسات الدستورية الأخرى.
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى مجاف لمبدأ الفصل بين السلطات، إلا أن حقيقة الأنظمة السياسية البرلمانية تجعل منه واقع حال لا يمكن تجاهله أو تجاوزه إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار إن السلطة التشريعية أخذت شرعيتها من الشعب وباقي السلطات تأخذ شرعيتها منها.
فنواب الشعب في الحكومات الديمقراطية يتبوؤون السلطة بموافقة مواطنيهم، ولا يستمد مثل هؤلاء الزعماء قوتهم لأنهم يسيطرون على جيوش أو ثروة اقتصادية، بل لأنهم يحترمون الحدود المفروضة عليهم من قبل الناخبين في انتخابات حرة ونزيهة، فهم-أي النواب- مفوضون من قبل الشعب لمدة معلومة حددها القانون وليست لمدى الحياة، يؤدون واجباتهم من خلال مناصبهم بالكيفية التي تتلاءم والدور المناط بهم ويقبلون بنتائج الانتخابات الحرة، حتى لو كانت تفقدهم السيطرة على الحكومة.
البرلمان وحده الذي يمنح الثقة للسلطة التنفيذية (الحكومة) والقضائية، ووحده القادر على سحب الثقة منهما في حال تم إساءة استغلال السلطة من قبل رئاسة الوزراء كونه صاحب الكلمة الأخيرة بما خوله الدستور من صلاحيات رقابية على باقي السلطات والهيئات ومؤسسات الدولة العامة ذات الصلة، وما يراه البرلمان مناسباً بحقها من قرارات يجري عليها. وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقة البرلمان بالسلطة القضائية من جانب اعتماد أهلية الأشخاص العاملين في القضاء وضمان حياديتهم، وليس من جانب تفسير القوانين وتكييفها حيث يكون هذا الأمر من اختصاص السلطة القضائية. لكن رغم تنوع الاختصاصات المخولة للبرلمان العراقي (تشريعية، مالية، رقابية، تأسيسية، دبلوماسية)، إلا أن مضمون وإجراءات ممارسة هذه الاختصاصات ذابت بطريقة أفقدها الكثير من قيمتها وفاعليتها، على نحو يجعل البرلمان عاجزاً أمام السلطة التنفيذية بسبب عدم الاحتكام إلى الدستور والمؤسسات الدستورية واللجوء إلى مؤسسات توافقية غير دستورية كـ(المجلس السياسي) الذي يتكون من قادة الأحزاب المعارضة والمشتركة في الحكومة، وهذا ما نأمل أن لا نراه في البرلمان القادم.
إن الظاهرة العامة من استعراض النشاط البرلماني في العراق هي قلة النشاط التشريعي، فإنتاج البرلمان يظل رغم كل الجهود مفتقراً للفاعلية والنشاط اللازمين، خاصة وأن العراق باعتباره بلداً نامياً ومفتقراً لمعظم البنى التحتية وبخاصة في مجالات استثمار النفط والغاز، الصحة، التعليم، النقل، السياحة والصناعة، ما يزال بحاجة إلى كثير من التشريعات وكثير من تعديلات القوانين القديمة التي صدرت في عهد النظام السابق والتي لا تتلاءم وحجم التغير المفترض للعراق، كونها لم تعد متفقة مع وضع البلد وتطوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ليس معنى ذلك أن البرلمان لم يُنتج الكثير مما له أهمية، ولكنه مازال دون المستوى المطلوب كماً وكيفاً، ودون الحاجة التي يفرضها التطور، فاهتمام الحكومة كان يتجه أساساً إلى الجانب الأمني وبنسبة أقل إلى القطاع الاقتصادي أو الخدمي وبعض الاستثمارات، ذلك أن مقترحات القوانين التي تمس هذه الميادين كثيراً ما كانت ترفض وتسوف على خلفيات سياسية وليست مهنية.
ونحن على أعتاب مرحلة جديدة وبرلمان جديد يضم بين أعضائه (66)عضواً من الدورة السابقة من مجموع (325) برلماني لهذه الدورة، نأمل أن يقوم البرلمان القادم بشقيه(الموالاة والمعارضة) بـ:
1ـ الاضطلاع بدوره التشريعي المطلوب منه خلال دورته البرلمانية وذلك بسن القوانين ذات العلاقة بالنواحي الاقتصادية والصحية والعلمية والاجتماعية التي تهدف لبناء الإنسان بالدرجة الأولى وتحافظ على عيشه وكرامته.
2ـ أن يحمل المسؤولية والأمانة التي منحها الشعب له وذلك بالوقوف الى جانب مصالح الشعب والوطن حتى إذا كانت تلك المصالح لا تتماشى ورغبة البرلمانيين الشخصية أو الحزبية.
3ـ أن يُفَعِل دوره الرقابي على السلطة التنفيذية لضمان عدم خرقها للدستور أو الانحراف عن البرنامج المرسوم لها من قبل الكتل مانحة الثقة لها.
4ـ أن يكون سنداً وداعماً للحكومة وبخاصة في سياستها الخارجية وليس مضعفاً لها تجاه المواقف التي يجب أن تتخذ بخصوص المواقف الخارجية وبخاصة ما يتعلق منها بالأمن الوطني.
5ـ ترك تحقيق المكاسب الحزبية والشخصية والفئوية من خلال قبة البرلمان وأن تكون خدمة الشعب هي من تحقق لهم تلك المصالح.
6ـ الالتزام بالنظام الداخلي للبرلمان ومحاسبة أي عضو يتكرر تخلفه وغيابه عن حضور جلساته بدون عذر مشروع، لأن الشعب فوضه أن ينوب عنه في البرلمان وليس في دول الجوار.
(*) مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
|
|