قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

ثقافة المعارضة وحكومة الظل .. إلى إشعار أخر
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة داود نادر نوشي
منذ سقوط النظام البائد في 2003 وبداية العملية السياسية في العراق وما رافقها من إجراء الانتخابات وتشكيل حكومات متعاقبة وحتى هذه الساعة حيث الحراك السياسي، أو مايسميه البعض الجدال الدائر حول تشكيل الحكومة الجديدة، لم تتبلور لدينا في الفقه السياسي العراقي نظرية المعارضة أو حكومة الظل، وهنا لا اعني المعارضة بالمعنى المتعارف عليه عند الأنظمة الديكتاتورية والتي يكون مصيرها القمع والقتل والتهجير كما هي حال المعارضات في عالمنا العربي، بل المقصود هنا المعارضة التي تشارك الحكومة أو السلطة في حيثيات كثيرة ومفاصل مهمة في الدولة والحياة السياسية لا سيما في ظل وجود نظام ديمقراطي تعددي كما هو حال نظامنا السياسي العراقي.
ومن يبحث عن المصلحة العامة للوطن والمواطن كما نسمع ونقرأ في أفكار وبرامج معظم الكتل السياسية العراقية، وعند عدم تطابق الرؤى والبرامج لكتلة أو كيان سياسي مع بقية الكتل الأخرى المكونة للحكومة فإن المتعارف علية أن تأخذ جانب المعارضة البرلمانية كما هو الحال في الكثير من الدول الديمقراطية في العالم، ولكن في وضعنا العراقي الراهن لا نعرف لماذا هذا الإصرار على بذل الغالي والنفيس من اجل الوصول إلى كرسي الحكم وقد يصل لاسمح الله إلى الصراع، مقابل زهد كبير بمبدأ المعارضة، ومع أن الوصول للسلطة بالطرق الديمقراطية حق مشروع لجميع الكتل الفائزة بالانتخابات إلا أن السلطة لا تتسع للجميع والحكومة بدون معارضة تعني أنها بلا رقيب ويفقد البرلمان دوره الحقيقي في الرقابة والمحاسبة ويكون مجرد برلمان تشريعي وهذا ما يجعل العملية السياسية فاقدة لمبدأ مهم من مبادئ الديمقراطية ويعطي مجال كبير للاستبدادية في الحكم، وانفرادية في اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية .
وإما مايطرح من تأويل حول الوضع الراهن والحساس الذي يمر به البلد وما يقال من أن عدم إشراك الجميع في الحكومة يعني التهميش والإقصاء، وان الكتلة الفلانية تمثل مكون معين، ولذا لابد من أن يكون ضمن أولويات التشكيل الحكومي وما إلى ذلك من تفسير وتبرير، فهذا لا يمت إلى أصل اللعبة الديمقراطية بشيء، ومن ثم نحن كعراقيين نتوجس خيفة من إن نكون لبنان جديد، ويتحول العرف الذي ساد العملية السياسية إلى قانون ومفهوم سائد ومتجذر، ونبتعد عن المعنى الحقيقي للديمقراطية والتي من أجمل مفاهيمها هي ثقافة المعارضة وحكومة الظل، ولكن أي معارضة نريد، وكيف تكون، وماهو هدفها وآليات عملها والمبادئ التي تعمل من اجلها، وهنا لايمكن أن نطلق تسمية المعارضة على الذين اتخذوا من فنادق دمشق وعمان طيلة سنوات مابعد 2003 بالمعارضة الحضارية والمدنية ولاهي معارضة تقويم وبناء، لأنها عملت جاهدة من اجل خراب العملية السياسية ودعم الإرهاب والقتل والجماعات المسلحة في عموم العراق وكانت أهدافها العمل من اجل عودة النظام الديكتاتوري والمعادلة السابقة وفي أسوأ الأحوال الانفراد بالسلطة لأنها لاتؤمن بمبدأ التعددية والشراكة والانتقال السلمي للسلطة، ففي قاموس معارضة كهذه لاتوجد أبجديات للديمقراطية ولا أولويات للعمل السياسي بقدر إيمانها بالانقلابات الدموية وإثارة الفتن وهو ما تتلمذت علية في عهد النظام المقبور، وقد كلفت هذه الزمر المسماة بالمعارضة العراق الكثير من الضحايا وكادت أن تصل بنا إلى المربع الأول وكانت وما تزال تحن وتأن لعودة البعث وحكم صدام، لولا تكاتف العراقيين وهمة قواتنا الأمنية وتضحياتهم والمواقف الشجاعة للسياسيين الذين خاضوا تجارب النضال والجهاد طوال 35 سنة من حكم البعث المهزوم، ونحن لم ولن نسمي مجاميع كهذه إلا بأسمائها الحقيقية التي تليق بها وهي مجاميع قتل وعصابات جريمة .
ونحن نريد معارضة الوطنيين المخلصين الذين يعملون من اجل العراق وبناء الصرح الشامخ له ويؤسسون للبنى التحتية للعملية السياسية، وهذا لن يكون إلا بالاعتراف الواضح والصريح للمعارضة وحتمية وجودها. وللأسف الشديد لم تكتمل لدينا إلى الآن هذه الثقافة الحقيقية التي هي بمنزلة السند القوي والركيزة الأساسية لأي حكومة في أي نظام سياسي ديمقراطي، بل أن المواطن البسيط لم يتقن أو يفهم معنى المعارضة الحقيقية ولو سألته عن معنى المعارضة قد يفهمها على أنها المجموعة التي تسب وتشتم الحكومة والتي تعيق عملها، بل إن البعض يتصور المعارض هو الذي يقف ضد الدولة أو الوطن وهذا المفهوم شائع كثيرا بين أوساط الناس، لان ثقافة العمل السياسي في العراق والقائمين عليها لم يصلوا بنا إلى مرحلة التفريق بين السلطة والدولة وهذا ينسحب على الإعلام أيضا، حيث إن الإعلام العراقي وفي جميع مراحل مابعد سقوط لم يؤسس لمرحلة إعلام الدولة، وإنما إعلام السلطة والحزب.
واليوم ونحن على أعتاب تشكيل الحكومة وبداية مرحلة مهمة وحساسة في حياة العراقيين لابد لنا من التأسيس الصحيح لهذه الثقافة ولا ننتظرها إلى إشعار آخر وان تكون هي العرف بدل المحاصصة والتوافق.