تفخيخ المجمعات السكنية .. ارهاب من طراز جديد
|
عادل الجبوري
وقف ابو محمد مشدوها عاجزا عن الكلام، بعد ان عاد من محل عمله مسرعا حينما سمع ان العمارة التي يسكن فيها هو وعائلته قد انهارت بفعل عمل ارهابي منظم، وزوجته واطفاله الصغار كانوا في الشقة ذات الستين مترا مربعا عند وقوع الانفجار، لم يعرف كيف يتصرف وماذا يفعل، وهو يرى بأم عينية المبنى المؤلف من ثلاثة طوابق وقد تحول الى ركام من الانقاض، وربما كان محظوظا من سيخرج من تحت ذلك الركام وهو على قيد الحياة.
صورة ابو محمد الرجل الستيني، كانت واحدة من بين عشرات الصور المماثلة والمشابهة التي حفلت بها العاصمة العراقية بغداد صباح يوم الثلاثاء السادس من شهر نيسان/ابريل الجاري. ففي ظرف ساعتين او اقل انهارت سبعة مجمعات سكنية في مناطق مختلفة من الجانب الغربي(الكرخ) للعاصمة بغداد، لتخلف عشرات القتلى والجرحى، من الذين كانوا يقطنون في تلك المجمعات كساكنين، او من اصحاب المحال التجارية فيها.والمناطق التي شهدت وقوع العمليات الارهابية هي الشعلة والسيدية والدورة وحي العامل والشرطة الرابعة وجكوك والبياع والاعلام والعلاوي. ولعل ابرز ما يمكن تسجيله من ملاحظات ومعطيات، لاجل ان تتوضح ابعاد المشهد التراجيدي المأساوي بشكل اكبر هي:
ـ ان العميات الارهابية الاخيرة كانت على قدر كبير من التنظيم والتخطيط منذ فترة زمنية غير قصيرة، واسلوب استهداف المجمعات السكنية وبهذه الطريقة، ربما بدا غريبا على العراقيين الذين اعتادوا خلال الاعوام السبعة الماضية على اساليب وطرق ووسائل متنوعة من الارهاب والعنف الدموي، لكن تفخيخ العمارات والمباني السكنية لم يكن من بين الاساليب المستخدمة من قبل الجماعات الارهابية على هذا النطاق الواسع والمنظم.
ـ المناطق التي استهدفت جميعها تقع في الجانب الغربي من العاصمة، أي جهة الكرخ التي شهدت معظم مناطقها اوضاعا مأساوية خلال عامي 2005 و 2006 بفعل سطوة ونفوذ الجماعات الارهابية فيها.
ـ جاءت العمليات الارهابية قبل يوم واحد من الذكرى السنوية الثالثة والستين لتأسيس حزب البعث المنحل، ولعل الكثيرين يتذكرون ان مثل هذا اليوم من العام الماضي شهد هو الاخر سلسلة عمليات ارهابية مروعة في العاصمة بغداد.
ـ جاءت العمليات الارهابية في يوم الثلاثاء والعمليات التي سبقتها بفترة زمنية قصيرة، مترافقة مع تحذيرات اطلقتها شخصيات وجهات سياسية عراقية وغير عراقية من عودة العنف والارهاب، وبدت تحذيراتها كما لو انها تهديدات لفرض واقع سياسي معين وتخيير الاخرين بين القبول به، او رفضه لتفتح الابواب لعودة العنف والارهاب الى الشارع العراقي، وبدرجة اكبر مما كان عليه قبل اربعة اعوام.
ـ مثلما اعلن حزب البعث المنحل مسؤوليته عن عمليات العام الماضي، فقد اعلن عبر بيان تداولته وسائل اعلام الكترونية وورقية مسؤوليته عن عمليات يوم الثلاثاء، ووعد بالمزيد منها، وعدّها ايذانا بعودته الى السلطة مجددا.
ـ واستنادا الى اسلوب التخطيط والتنفيذ فأن بصمات حزب البعث المنحل تبدو هي الاكثر وضوحا في مسرح الجريمة، وليس بصمات تنظيم القاعدة، على العكس من العمليات الارهابية التي استهدفت عددا من السفارات العربية والاجنبية في بغداد، اذ ذهبت مجمل المؤشرات الى ان تنظيم القاعدة وبالتعاون مع حزب البعث المنحل هو الذي يقف ورائها.
ـ كشفت عمليات الثلاثاء، من حيث طابعها النوعي والكمي، ضعف وهشاشة المنظومة الاستخباراتية والامنية العراقية الى حد كبير، وفقدان المؤسسات والاجهزة المعنية بالملف الامني زمام المبادرة، وعدم جدوى اجراءاتها التي غالبا ماتكون عبارة عن ردود افعال غير مدروسة ولا محسوبة بدقة، يعكس تكثيف الوجود العسكري في الشارع بعد وقوع كل عملية ارهابية جانبا كبيرا منها، ناهيك عن التصريحات التي يدلي بها بعض المسؤولين عن الشؤون الامنية، والتي تعكس هي الاخرى عدم وجود خطط وسياقات امنية مدروسة، وعدم الاستفادة من الاحداث والوقائع السابقة.
ـ والمفارقة ان المعنيين بالملف الامني حملوا اصحاب المجمعات ومكاتب العقارات مسؤولية ماحصل من كوارث صباح يوم الثلاثاء، ولاشك ان هؤلاء يتحملون جزءا من المسؤولية، اذ ربما البعض منهم مرتبطون بجماعات ارهابية معينة، وربما البعض منهم يفتقر الى الحس الامني المطلوب، وربما البعض الاخر يهتم بالجانب المادي فقط، بحيث انه اذا تلقى عرضا مغريا لاستئجار او شراء عقار معين من قبل شخص ما فإنه لايتوقف ولايتردد في قبول العرض بصرف النظر عن اية قضية اخرى. بيد ان البعد الاخر الاكثر اهمية في الموضوع يقع على عاتق المؤسسات والاجهزة الامنية بالدرجة الاساس التي يفترض بها ان تضع ضوابطا وقيودا على مجمل التعاملات التجارية، وتخضعها للرقابة والتدقيق المستمر بمختلف السبل والوسائل العلمية والعملية.
ولايختلف اثنان في ان عمليات يوم الثلاثاء وقبلها بيومين عمليات الاحد، وقبلها عمليات الخالص وكربلاء، واذا اردنا ان نعود مسافة ابعد الى الوراء، فعمليات الاربعاء الدامي والاحد الدامي والثلاثاء الدامي، اشارت ورسخت حقيقة مهمة، ومفجعة ومؤسفة الى حد كبير، الا وهي ان ماذكر من معطيات ودلائل ومؤشرات، يحتاج الى اعادة نظر ومراجعة موضوعية للملف الأمني تنأى عن الاجندات والحسابات السياسية المسبقة. وبما ان هناك تداخلا بين الاستحقاقات السياسية والاستحقاقات الامنية، فأن القول بارتباط التداعيات الخطيرة في الوضع الامني بأستحقاقات مرحلة مابعد الانتخابات، ينطوي على قدر كبير من الواقعية، وهذا ماينبغي ان تدركه وتفهمه وتتفهمه القوى والتيارات والشخصيات السياسية المعنية بترتيب الامور وصياغة معالم وملامح المرحلة المقبلة. وللاسف الشديد فإن المراقب من بعيد لايلمس تعاطيا سياسيا جديا وجادا ومسؤولا يتناسب مع خطورة التداعي الامني، الذي اخذ يفرز حالة من القلق والخوف ويعمق هواجس الشارع العراقي، بدل ان يفتح افقا -او افاقا-للتفاؤل بالغد. وصحيح جدا ماقاله الرئيس العراقي جلال الطالباني من ان التفجيرات التي شهدتها البلاد تشير الى محاولات اعاقة المسيرة الديمقراطية واشاعة جو من التوتر والكراهية"، وصحيح ماقاله ايضا من ان تلك التفجيرات تستهدف اثارة احترابات داخلية على اسس دينية وطائفية وسياسية واعاقة اندماج العراق بمحيطه العربي والاقليمي".
ولكن ماذا بعد، فالرجل الستيني ابو محمد الذي فقد سكنه، واغلب الظن فقد عائلته، ومثله الكثيرين، بحاجة الى من يسارع الى الاخذ بأيديهم وكفكفة دموعهم، وتعويضهم عما فقدوه، ليس بمليون او مليوني دينار، وانما قبل ذلك بإشاعة الامن والاستقرار ووضع حد لنزيف دماء العراقيين الطاهرة، فالاسباب والدوافع والاهداف والنتائج والآثار باتت معروفة للجميع، وربما يعرفها ويدركها المواطن العادي اكثر من شخص يشغل موقع رفيع المستوى ويمسك بملفات حساسة وخطيرة في بلد مثل العراق.
|
|