لاتنتخب ظالماً فتكون شريكاً له في ظلمه
|
عبدا لله العبد الله
لعل من المفيد جدا ان نشير ونثبت مجموعة من المعطيات الواقعية الحالية وعلى رأس تلك المعطيات إقرارنا من ان المسلك الأحسن و الوحيد للوصول الى سدة الحكم حتى الآن هي صناديق الاقتراع وهي أفضل وسيلة ...بعد معاناة طويلة ومريرة ومؤلمة لحقب زمنية مع حكام ظلمة ودكتاتوريين، مصابون بهوس السلطة وما توفره من ميدان لتنفيذ شهواتهم وغرائزهم اللا شرعية واللا قانونية واللا أخلاقية. هذه المسيرة البشرية المضنية والحزينة والتي لو أطلعنا على فصول من تأريخها الدموي الذي يصبغ قرون طوال من مصادرة للحريات بل واستعباد للشعوب والأمم تدفع المتعقل والحكيم منا للإقرار من ان وسيلة الانتخابات وصناديق الاقتراع هي السبيل الأسلم للوصول الى السلطة وحكم الناس اليوم، و هذه الوسيلة تمنع حدوث الانقلابات الدموية والمؤامرات و حكم الدبابات ومن ان تكون لغة القوة والقهر والقتل والترهيب هي اللغة التي يتم بواسطتها حكم الناس والتحكم بحريتهم وكرامتهم وأفكارهم وأرواحهم وممتلكاتهم وسعادتهم وكل شيء يستطيع الحكام الوصول اليه بواسطة السطو على كرسي الحكم .
وعليه فأننا نقر بوسيلة الانتخابات ووجوب وجود سلطة تشريعية (مجلس النواب) يتم انتخابه من قبل الناس مباشرة مع ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات وتكافؤ الفرص وتساويها بالنسبة للمرشحين والناخبين، ونأمل بأن يتم التفكير بتطوير تلك الوسيلة (انتخاب مجلس النواب) والعمل الفاعل والجاد من اجل إيجاد طريقة توفر مشاركة حقيقة وواسعة للناس لأن طريقة انتخاب النواب هي طريقة لاتسلم من العيوب ،لأنها في أحيان كثيرة وفي مختلف أرجاء العالم تمثل انتحاب نواب الأحزاب لا انتخاب نواب الشعب بشكل واقعي وحقيقي، فمن المعلوم ان طريقة الانتخابات وصناديق الاقتراع لا تعني انها طريقة سليمة ومعصومة من الأخطاء والنتائج الكارثية المدمرة، فمثلا ان هتلر الزعيم الألماني والذي أجتاح أوروبا وهو من أشعل الحرب العالمية الثانية وصاحب الأفكار النازية جاء الى السلطة عن طريق الانتخابات، وعليه فترك القرار للشعب لكي يقرر لا يعني ان اختيار الشعوب وخياراتها هي صحيحة مئة بالمئة ومن ان نتائجها ستكون سليمة بل ربما العكس، ولعل تجربة العراقيين في انتخاب مجلسهم النيابي الأول في عام 2006 خير دليل على ان خيار الناس وانتخابهم لمن يمثلهم في البرلمان ربما يكون مخطأً وغير صحيح بل ويجر الناس الى الخراب والدمار والى خسارة الأرواح والممتلكات، بسبب صراعات كثيرين ممن أنتخبهم الناس كممثلين عنه في مجلس النواب ،أي إن (هؤلاء المرشحين المُنتخَبين) قد مارسوا الخداع والمكر والتزييف في برامجهم الانتخابية وكانوا كاذبين في رفعهم للشعارات أثناء حملاتهم الدعائية الانتخابية، وهذا لا يعني ان سلوك طريق تأسيس الحكومة على أساس الانتخابات و على أساس وجود دستور والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية أمر سلبي وسيء، بل هو طريق يمكن ان يقال عليه انه أفضل المعروض والمسموح به من قبل من يتحكمون في مصائر الشعوب أو أحسن الطرق السيئة مع الالتفات الى ان ذلك لا يعني ان الانتخابات ووجود الدستور والفصل بين السلطات هو الطريق الوحيد والأوحد لحكم الناس وتنظيم الحياة بشكل شرعي وقانوني وأخلاقي وإنساني.
ان اختيار شخص ما ورد أسمه في قائمة كيان معين في لائحة الترشيح لشغل منصب عضو مجلس نواب هي عملية غاية في المسؤولية الإيمانية والدينية والشرعية والأخلاقية والوطنية، فالانتخاب يعني البيعة ،والبيعة تعني إنك مسؤول عنها أمام الله واما وطنك وأمام إنسانيتك وضميرك، أننا لو اخترنا شخص ما على أسس غير إيمانية ولا أخلاقية قيمية ولا على أساس الكفاءة والنزاهة والوطنية ولا على أساس احترامه للحريات ولكرامة الإنسان وحقوقه نكون قد اسهمنا بشكل مباشر في إيصال شخص (...) قد لا يتورع في دماء وأرواح الناس ولا في أموالهم وممتلكاتهم ولا يمنعه هواه عن زرع الفتنة وإشعال الحروب بين الناس تحت ذرائع وحجج ... فأنك ان اخترت شخصا يمثلك في عضوية مجلس النواب وكان غير سوي وغير مؤهل وغير عادل ولا يخاف الله ولا يحترم دماء الناس ولا يتورع عن سرقة المال العام والخاص، فأنك تكون حينها شريكاً له في كل الأفعال والأعمال والأفكار والأقوال التي سيتبناها ويقوم بها، والتي ستنشر الخراب والدمار والرشاوى والسرقة والمحسوبية والطائفية والحزبية، وحتى الأفعال والأقوال غير الايمانية الداعية الى وضع الله والدين والشعب والوطن جانبا والعمل على ملىء الجيوب والاستعداد للهروب، وعندها سيحاسبك الله في الدنيا والآخرة بل في الدنيا قبل الآخرة وسيحاسبك ضميرك ووطنك، وستكون كمن قيل فيه انه قد ضل الطريقين وخسر الدنيا والآخرة ،فقد خسرت الدنيا وخسرت نفسك وثقة وطنك لأنه استطاع ان يخدعك أو أنت أردت ان يخدعك وحصل هو على الكرسي والمرتب العالي والامتيازات الكبيرة بصوتك وانتخابك له، وسيكون غني بسرقته لمالك ومال عيالك وسيصبح سمينا وسعيدا بسرقته للقمتك ولقمة عيالك وسرقته لسعادتك وتركه الحزن والضيم والأسى لك، فيما أنت بقيت على نفس حالك وربما سيصبح وضعك أسوأ مما كان قبل انتخابك لهذا الشخص، ومن ثم ستحشر معه وستُحاسب كظالم وسارق وكذاب ومُشعل للفتن والحروب وكقاطع طريق تمنع الناس من الوصول الى الحق والعدل والإنسانية، لأنك انت من أوصلته للسلطة وبصوتك سرق وظلم وشوّه الدين والإيمان وأساء للإنسانية والمواطنة وزرع الضلال بدل الهدى والباطل بدل الحق والشك بدل اليقين والظلم بدل العدل وشوه قيم الايمان، فعندها ستكون محشوراً مع الطغاة والظالمين، والله سبحانه يغفر كل شيء لمن تاب وأصلح وعمل صالحا ثم اهتدى، إلا من أشرك، وأعلم ان الله سبحانه وتعالى وصف الظلم بالشرك، وقد جاء ذلك على لسان لقمان الحكيم في آيات القرآن الكريم (إن الظُلم لشرك عظيم ), وكذلك الإنسانية.. فانظر بنفسك ان التاريخ لا ينسى الظالمين وتبقى ذكرى ظلمهم تعيش في ذاكرة الشعوب فأحذر وتنبه ولاتكن من الطغاة الظالمين ولاتكن من الغافلين والمغفلين المستغفلين، ولا تكن من الضالين المٌضلين، ولاتكن من اللصوص و السارقين، ولا تكن من الغاصبين المغتصبين ولاتكن ممن يحاربون الإيمان والقيم والمبادئ والأخلاق (...) لا تصوت لمن يدعو لغير الإيمان والقيم الإنسانية والمبادئ ،ولا تصوت لمن لا يدعو للإنسانية وحرية الرأي، فأنك ستحاسب عليه، وأحذر ان تمكنهم من ان يخدعوك ثانية، فلا حجة لك بعد الآن، لأنك قد جربتهم وعرفتهم، وأعلم ان من علامات المؤمن التي ذكرها النبي (ص) ان المؤمن فطن كيس و(ان المؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين).
فصوت لمن تثق به ومن يستاهل صوتك و يحفظ لك إيمانك وإنسانيتك وكرامتك، ومن يحافظ على المال والعرض والوطن، ومن لا يدعو للطائفية ولا يسرق المال العام ولا يعمل بالحزبية والمحسوبية وبالعشائرية والمناطقية .. فأن تصويتك لغير المؤمنين الصادقين و بانتخابك لغير الكفوئين ولا النزيهين ولا الشرفاء، هو إعلان صريح منك في الحرب على الله و الإنسانية وامتهان لحرمة الدماء التي سالت من قبل المخلصين على مذبح الحرية والعدالة، فلا تظن ان الآمر هين، و لا تظن ان الآمر لعبة وإنه سهل، لا ان الآمر عظيم، وان فيه خسارة كبيرة، وما عليك إلا ان تبحث عن الشروط التي يجب توفرها في الشخص الذي ترشحه ليحكمك ويحكم الناس الآخرين بإيمان وعدل ومحبة وبإنسانية وأخلاق وقيم ومبادئ.
|
|