الطرد .. سببه الترويج وليس االانتماء
|
نزار حيدر
البعض يتساءل، اين كانت هيئة المساءلة والعدالة في مجلس النواب العراقي طوال المدة الماضية، لتتخذ اليوم تحديدا قرارات الطرد بحق عدد من المشمولين بقرار الاجتثاث، وبعضهم اعضاء في مجلس النواب العراقي، ومنعهم من المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة؟.
ان المطرودين بالقرارات ليس بسبب انتمائهم الى النظام المقبور ..، وانما بسبب ترويجهم له، والا، فكلنا نعرف ان في مؤسسات الدولة العراقية الجديدة، بما فيها مجلس النواب والحكومة وبقية المؤسسات، أعداداً كبيرة من الذين تركوا النظام البائد والتحقوا بالعملية السياسية الجديدة، فلماذا لم تشملهم القرارات؟. ان المشمولين بالطرد، لو لم ينكثوا بوعودهم، ويلتزموا بما الزموا به انفسهم عندما قرروا الالتحاق بالعملية السياسية، لما صدرت بحقهم هذه القرارات، الا انهم حنثوا بيمينهم وسحقوا وعودهم وكلامهم باقدامهم، ليعودوا يحنوا الى الماضي، ويمجدوا جرائمه، وكأنهم يدعون الى العودة بالعراق الى الماضي الاسود، الامر الذي لا يمكن السكوت عنه باي حال من الاحوال.
الفقرة (اولا) من المادة السابعة في الدستور العراقي تنص على ما يلي: (يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي، او يحرض او يمهد او يمجد او يروج او يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت اي مسمى كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون). ولقد نظم مجلس النواب ذلك بالقانون رقم (10) لسنة (2008) والمسمى بقانون (الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة) والذي نشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4061) بتاريخ (14 شباط 2008). ان المطرودين، وبعد ان انقلبوا على تعهداتهم والتزاماتهم، وراحوا يبررون للماضي الاسود افعاله، ويمجدون جرائمه بحق الشعب العراقي، شملتهم هذه المادة، فهم اليوم ممن يحرض ويمهد ويمجد ويروج ويبرر للنظام البائد والحزب المنحل. ان هذا القانون لم ينص على حل الهيئة الوطنية العليا للاجتثاث وانما نص على تغيير الاسم فقط، وقانونيا فان اية هيئة رسمية لا تحل الا عندما تباشر الهيئة الجديدة مهامها الرسمية، وتحل محلها، ولذلك فان هيئة الاجتثاث التي تغير اسمها الى هيئة المساءلة معنية قانونيا ودستوريا بالقرار رقم (10) الانف الذكر والذي نص في بعض فقراته على ما يلي، وهي النصوص التي استندت عليها لجنة المساءلة والعدالة في مجلس النواب لاتخاذ القرارات الاخيرة:
المادة 3: اولا: منع عودة (حزب البعث) فكرا وادارة وسياسة وممارسة، تحت اي مسمى، الى السلطة او الحياة العامة في العراق.
المادة 13: اولا: تلتزم الهيئات الرئاسية الثلاث ومجلس القضاء والوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة والهيئات المستقلة (المعنية هنا في هذه الحالة تحديدا المفوضية العليا المستقلة للانتخابات) ومنظمات المجتمع المدني كافة بتنفيذ قرارات وتوجيهات الهيئة المشرعة بهذا القانون.
ثانيا: يتعرض الشخص المسؤول او الموظف المختص الممتنع عن تنفيذ قرارات وتوجيهات الهيئة الى المساءلة الجزائية وفقا لقانون العقوبات.
المادة 23: تقوم الهيئة بنشر اسماء المشمولين بالاجراءات موضوع المادة (6) من هذا القانون ودرجاتهم الحزبية ومواقعهم الوظيفية وتاريخ صدور تلك الاجراءات عبر وسائل الاعلام.
ان هذه النصوص التي كان قد صوت على قانونها كل المشمولين بقرارات الطرد من الاعضاء في مجلس النواب، هي التي استندت عليها الهيئات واللجان الدستورية لاصدار قرارات الطرد، فكيف يمكن التشكيك فيها؟.وبشأن الاتهامات التي اخذ بعض المطرودين يروجونها، وكذلك موقف الاتحاد الاوربي، الذي يتهم ايران بالوقوف وراء قرارات الطرد، فإنه:
اولا: ان مثل هذا التفسير بمنزلة الاهانة القاسية التي توجه الى العراقيين، وخاصة الى المشرعين.
ثانيا: ان حديث الاتحاد المذكور بشان الدعوة الى وجوب مشاركة (السنة) في الانتخابات القادمة، بمنزلة التدخل السافر في الشؤون الداخلية للعراق، ومن قال بان السنة لم يشاركوا في الاتخابات القادمة ليتحدث بهذه الطريقة؟ الا اللهم اذا كان يسعى لحصر التمثيل (السني) بمن تم طرده بهذه القرارات، فاذا كان المقصود ذلك، فهي من سخرية القدر، وهو حديث يجافي الحقيقة جملة وتفصيلا، لان هذه الشريحة من العراقيين لا يمكن تلخيصها بزيد او عمرو ابدا. واذا قيل ان الاتحاد قال مثل هذا الكلام كنصيحة يوجهها الى العراقيين، فحسب، فمن قال بان العراقيين بحاجة الى مثل هذه النصائح الممجوجة؟ ثم، اذا كان من حق الاتحاد ان يقدم النصيحة للعراقيين، فلماذا لا يحق لايران كذلك ان تقدم النصيحة التي من شانها الحيلولة دون عودة ايتام النظام البائد الى السلطة، على فرض ان لإيران دوراً في صدور قرارات الطرد؟ اوليس الشعب الايراني، وكذلك الشعب الكويتي، شريكان مع الشعب العراقي كونهما من ضحايا النظام البائد وسياساته الخرقاء؟ فلماذا لا يحق لهم ان يطمئنوا من عدم عودة النظام المقبور وواجهاته الى السلطة في العراق من اجل ضمان حماية انفسهم، بالضبط كما يفعل العراقيون اليوم؟ اولم تتدخل الكويت بالامس لمنع تسمية احد الاحياء في الاردن باسم الطاغية الذليل، وقد رضخت الاردن لهذه الرغبة الكويتية؟ فلماذا لم يدّع احد بان الكويت تدخلت في الشان الداخلي الاردني؟.
ثالثا: ان قرارات الطرد لا تقصد (حتما وأبداً) منع (السنة) من المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة، فمن قال ان المشمولين وحدهم هم الذين يمثلون (سنة) العراق؟ وهناك الآلاف منهم ممن رشح للانتخابات القادمة، من دون ان تشملهم قرارات الطرد، ولن.
رابعا: اما من يدعي ان ايران تدخلت لمنع من ابدى تعاطفا مع ماتسمى بـ (المعارضة الايرانية) او له موقف معادي لها في المشاركة في الانتخابات القادمة، فان هذا الادعاء هو الاخر مرفوض جملة وتفصيلا، تكذبه الحقائق، فكلنا يعرف ان هناك عدداً من المرشحين الحاليين، وهم اعضاء في مجلس النواب العراقي، يتخذون نفس الموقف من ايران، بغض النظر عن صحته من خطئه، لان رأي المواطن محترم، فكيف اذا كان مسؤولا في الدولة العراقية؟ وهو الموقف الذي يتخذه بعض المشمولين بالطرد، فلماذا لم تشملهم القرارات اذن؟.
اخيرا، نلفت النظر الى حقيقة في غاية الاهمية، وهي، ان ربط الوضع الامني مع قرارات الطرد، دليل صارخ على ضلوع بعض المشمولين بالاعمال الارهابية، او انهم يسعون لتوظيف (الارهاب) للضغط باتجاه الغاء القرارات الصادرة ضدهم، وكل ذلك امور مرفوضة، فالى متى يظل الارهاب يبتز الدولة العراقية ومؤسساتها؟ والى متى نخاف من الارهاب فلا نطهر مؤسسات الدولة من المخاطر الجمة التي يمثلها وجود ايتام النظام البائد ممن يحنون الى الماضي، ويسعون اليه؟.
|
|