ماذا قدّم لنا العراق الجديد؟ وماذا قدّمنا له؟
|
ابو ميثم الثوري
"ان تكون واقعياً فقد يتهمك الاخرون بالمثالية لانهم لم يكونوا واقعيين في مسيرتهم"
طالما طرحت السؤال التالي على نفسي (ماذا قدّم لنا العراق الجديد؟) واجبت مراراً باجوبة مختلفة ومتعددة بحسب طبيعة المزاج والظروف النفسية وضغوطات الحياة وقسوتها. ماذا بإمكان العراق الجديد ان يقدم لنا اذا لم نقدم لانفسنا ما ينفعنا ويفيدنا وماهو العراق الجديد حتى نطالبه ونحاسبه بالوفاء لنا؟ وهل العراق الجديد مفهوماً اعتبارياً مجرداً حتى يكون طرح السؤال المذكور ضرباً من الخيال والسذاجة والبساطة وماهو العراق الجديد وكيف يتمظهر لنا او يتجسد لكي نستنطقه؟. ولكن اليس من الاجدى ان نطرح السؤال بصيغة اخرى اكثر واقعية وموضوعية ومنطقية وهو (ماذا قدّمنا للعراق الجديد؟) وقد يكون مثل ذلك واضحاً ولا يحتاج الى التبرير التحليلي والتفسير ا لتأويلي حتى تكون الاجابة صريحة وواضحة وجريئة؟.
ساجيب بجواب واقعي ومنطقي واخشى ان يتهمني الاخرون بالمبالغة العالية والمثالية المفرطة ولكنني لا اخشى في المنطق الصائب وقول الحق وكلمة الصدق لومة لائم واذا لم يستكشف الاخرون صحة جوابي على السؤال المذكور ففي نهاية المطاف سيصدقني هؤلاء ويعذرونني لما قد اساءوا ظنه واخطأوا تقديره. وقبل الاجابة على هذا السؤال (ماذا قدّم لنا العراق الجديد) اودّ الاشارة العابرة الى قضية لا يمكن انكارها وهي ان ما نطمح اليه في العراق قد يكون هو الاسهل لغيرنا بل من مستلزمات الحياة الطبيعية السوية وان اصبحت طموحاتنا وامانينا هي في الواقع متطلبات طبيعة لكل بني البشر ولكننا لا نكاد الاّ ان نقارن واقعنا الجديد بما مضى من ظلم وقمع واضطهاد حتى اصبح استنشاق الهواء والحديث بلا خوف من الرقيب امنية عظمى وغاية قصوى. كما اننا احياناً ننظر الى واقعنا بحسب ما حصل عليه الاخرون من امتيازات وصلاحيات وهو ما يضع التقييم امام رؤية غامضة وضبابية فتضيع كل الحسنات والايجابيات مقارنة بايجابيات وحسنات الاخرين. ورغم ذلك كله فإني كنت اطمح ان أعيش حراً في بلدي بعيداً عن المنافي الموحشة والمهاجر الموغلة بالتصحر النفسي وان اعيش في بلد بلا صدام او أمن يحصى على الناس الانفاس وهواجس تجعل للحيطان اذان كما هو مرتكز في الذاكرة والوجدان، وان اعيش خارج زنزانتي في سجن ابو غريب اكتب ما اشاء وكيفما اشاء، لن اخاف تعذيب او اعتقال. كنت احلم ان اكون في بلدي حراً كريماً ولا يهمني الا ان اعيش بحرية وكرامة، وان اعيش في بلدي امارس دوري في الحياة كاتباً وناقداً دون استجواب او حساب واكتب بما يحلو لي من افكار وآراء دون تلعثم قلمي او التفكير بما يرضي او لا يرضي الحاكم والرئيس واجهزته القمعية والامنية.
اليوم وقد تحقق كل شيء فلماذا الغضب والعتب على العراق الجديد ولماذا الضجر والملل والنقد الدائم لرجالات العراق الجديد مادام الوضع الذي كنت احلم به قد تحقق وان كان بالقدر الذي لا يتم به اعتقالي او استئصالي من الحياة؟. هؤلاء ليسوا ملائكة او قديسيين ولكنهم ليسوا شياطين او مدنسين فهم بشر عاديون لهم طموحاتهم واطماعهم، ولماذا اذن التأفف والتأسف على الواقع الجديد فماذا خسرناه وماذا فقدناه من الحقبة الماضية؟. كانت والدتي لا تستلم راتب التقاعدي لان اجور السيارة تفوق راتبها التقاعدي واغلب المعلمين والمدرسين واساتذة الجامعات غادروا باحات المدارس والجامعات وانشغلوا باعمال حرة لاعتقادهم ان الراتب لا يكفي طبقة بيض او كيلوين لحم لسد رمق اطفالهم وعيالهم!. وكان بعض الاصدقاء العسكريين يعطي مبالغ من المال لضباطهم لكي يسمحوا لهم بالبقاء في بيوتهم ولم يلتحقوا بالخدمة الاجبارية واليوم يعطي الشباب الاموال للوسطاء لكي يلتحقوا بقوات الجيش والشرطة. مفارقات وثنائيات العراق الجديد كثيرة وما حصل عليه العراقيون ما بعد التغيير الشيء الكثير قياساً لحقبة الحصار والدمار.
وانا كنت واحداً ممن تأثر بالحركة الاسلامية وانفعل وتفاعل مع خطابها .. فانتميت الى حزب ..، اواجه ابشع نظام بوليسي في العالم ورغم ذلك ادفع التبرعات لمسؤولي اسبوعياً بحسب ما اوفره من اجور السيارات لكي اذهب مشياً على الاقدام الى ثانوية عقبة بن نافع في شارع فلسطين التي تبعد عن بيتي اكثر من ست كلم ذهاباً واياباً لكيلا اعتذر لمسؤولي بفقري وفاقتي اتوقع الاعتقال والاعدام وضياع المستقبل. ومع ذلك فلم انقم على الحزب الذي وضعني في مواجهة غير متكافئة مع النظام السابق وكنت فرحاً بدوري ونضالي رغم الاعتقال واما اليوم فالحمد لله الجهة التي اعمل معها لها قيادة علنية وواضحة وتدفع لي المال ولم اتوقع الاعتقال والاعدام فكيف انقم عليها واغضب لمجرد انها لم تمنحني موقعاً حكومياً يناسبني؟.لكنني اقول بكل الم وحسرة لو اغمضت النظر عن كل تلك المفارقات وركزت البصر على ما حصل عليه اقراني واصدقائي ممن لم يناضل يوماً او يقول كلمة الحق بوجه الطاغية بل كان يستخدم التقية المكثفة والخوف المفرط حتى وصل راتب احدهم الشهري اكثر من رواتب لمدة خمس سنوات!!!.
لو فكرت بهذه الطريقة الخاطئة فاني على يقين ساكون مرتعاً لكل الامراض النفسية والجسدية وسوف اعاني من السكري وهم يتناولون الحلويات والسكر، واصاب بضغط الدم وهم يتمتعون بضغط الراحة والدعة والاسترخاء، ولكنني لا انظر الى هذا الواقع لاني اعلم اني لم اجاهد واعتقل من اجل مناصب مستقبلية احتمالية ورواتب مغرية ولم يخطر ببالي وخيالي هذا، وغاية ما كنت ارجوه هو العيش في بلدي بحرية وكرامة وكفاف.
8
|
|