مجتمع وسلطة .. ثقافة وسياسة
|
خديجة أمين
عندما نتكلم عن إصلاح الدولة، فلابد من معرفة العناصر المكونة لها حتى نضمن عملية إصلاح ناجحة متكاملة وواقعية، فما نعاني منه اليوم من ديموقراطية قد يراها الكثيرون انها ناقصة او شكلية، وسوء استخدام لأدواتها من قبل البعض، جعل كثيرين ينقلبون في وعيهم وارادتهم ونظرتهم الى الوراء بشكل سلبي وسيىء الى درجة انك قد تراهم يكفرون بالـ"الديموقراطية" ويفضلون سيادة السلطة على سيادة الشعب، مما يجعل عملية الإصلاح في تراجع وتقهقر للخلف، يرجع هذا الخلل إلى إهمال أهم عنصر من عناصر الدولة في عملية الإصلاح، فالدولة عبارة عن إقليم، مجتمع، وسلطة، وغياب الحراك الإصلاحي الثقافي الذي يستهدف عنصر المجتمع في مقابل حراك إصلاحي سياسي يستهدف عنصر السلطة أدى إلى عدم توازن كفّتي الإصلاح، وجرها بعيدا عن غاياتها وأهدافها. لذلك قيل: "إن العقل والوعي يمثلان أرضية الحرية، فالإنسان الأكثر علما ووعيا هو بالطبع أكثر قدرة على الخلاص من عبء الاختيار الأفضل". إن ما قد نراه في بعض الاحيان على الساحة من تأجيج وصراع وتنابز تحركه الفئوية والعصبية، في كل من السلطة التشريعية و التنفيذية وفيما بينهما أيضا، جاء نتيجة غياب إصلاح إحدى عناصر الدولة، وهي الذات المجتمعية في حين تم التركيز على الدعوة لإصلاح السلطة، ففسد الاثنان معا.
إن من يلاحظ الحراك يجده حراكا سياسيا في غالبيته، وغالبا ما يجر كل شرائح المجتمع في صراعاته واحتقاناته، وهو أمر جيد أن يتفاعل المجتمع مع ممثليه السياسيين، إلا أن هذا التفاعل تفاعل ساذج لا يرتقي إلى مستوى الممارسة الديموقراطية، فهو مبني على أساس (الفزعة) والروح العصبية والعاطفية في الغالب، أما الحراك الثقافي الفكري الذي يرتقي بوعي المجتمع ويعزز من المبادئ والقيم واحترام الآخر فمازال في دائرة ردود الفعل ولم يرتق الى مستوى الفعل، فمع كل أزمة تعصف بالبلاد تقام ندوة هنا ومهرجان هناك يصدح بأهمية الوحدة الوطنية في ظل غياب حراك حقيقي يستهدف تنوير المجتمع ثقافيا وانتشاله من حالة الجمود.
ولعل هذه الحقيقة تتجلى بوضوح من خلال ما نلاحظه من كثرة المنشغلين بالقضايا السياسية مقارنة بندرة المشتغلين بالاجتماع ووالهموم والعلوم الإنسانية، فكمية الإنتاج من كتابة وتحليل ومتابعة للقضايا السياسية في وسائل الإعلام، في مقابل حجم المتابعة والكتابة والتحليل في القضايا الاجتماعية والثقافية والسلوكية والفكرية قليلة جدا قد تصل في بعض الاحيان والظروف الى حد الاهمال ..مما ينعكس بنحو ما على وعي المجتمع وخياراته لممثليه السياسيين، وعلى الحراك السياسي الواعي الذي يبني نموذجا ديموقراطيا حقيقيا ومنتجا .. فالحراك التوعوي في شتى ابعاده ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، لو كان بقدر ما يوازي الحراك تجاه السياسة والسلطة، بل ولابد أن (يزيد ويتفوق عليه)، يعد ضرورة تصبّ في إصلاح الذات المجتمعية التي يتوقف عليها صلاح الوطن والسلطة.
|
|