نحو استراتيجية فاعلة لمكافحة الفساد في العراق
|
د. سامر مؤيد عبد اللطيف
لاشك ان ظاهرة الفساد الإداري اضحت ظاهرة عالمية شديدة الانتشار وهي اليوم موجودة في كافة المجتمعات الغنية والفقيرة، المتعلمة والأمية، القوية والضعيفة؛ ومثلما هي ظاهرة ذات جذور عميقة، فإنها ايضا آفة لها ابعاد واسعة وتتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر.
وفي مواجهة هذه الافة السرطانية الخطيرة جاهدت الكثير من المجتمعات الحديثة للتخلص منها وعقاب المتسبب فيها، لأنها عقبة كأداء في سبيل التطور السليم والصحيح والصحي لتلك المجتمعات. ولذا اعتبر ارتفاع مؤشر الفساد الإداري في أي مجتمع كدليل على التأخر وتدني فعالية الرقابة الحكومية وضعف القانون وغياب التشريعات الفعالة، والعكس صحيح أيضا.
ومن حيث الوصف والتعريف فان 'الفساد": (هو سوء استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية). وبتحليل اهم العوامل الدافعة الى الفساد بمنظوريه الذاتي والمجتمعي يمكن حصرها في غياب القيم الأخلاقية والوازع الديني، الى جانب غياب ثقافة المواطنة، ناهيك عن غياب الرقابة الادارية الصارمة و مبدأ الثواب والعقاب ؛ فارتكاب اي مسؤول كبير تجاوزات قانونية ومالية وعدم معاقبته حسب الأصول القانونية والدستورية للدولة، سيشجع كل موظف في وزارات الدولة على ارتكاب تجاوزات مماثلة، مما يؤدي إلى تراكم الفساد، وتصبح معالجته مسألة غاية في الصعوبة بل تحتاج الى هبة شعبية واسعة تستنهض كل الضمائر التي مازالت قلقة على مصلحة الوطن. والسؤال الذي ينبثق من حصيلة ما تقدم هو: كيف نضع إستراتيجية فاعلة لمواجهة الفساد الإداري في دوائر الدولة ؟
1 - الإصلاح السياسي هو محور الارتكاز للإصلاح الإداري، واي انطلاقة فاعلة لمحاربة الفساد ينبغي أن تنعقد بلواء إرادة سياسية صادقة وحازمة وقادرة وموحدة. ويتساوق مع هذا النهج الإسراع والجدية في إنجاح مشروع الحكومة الالكترونية.
2 - الإصلاح الإداري من خلال إعادة النظر الجذرية والشاملة في التشريعات القانونية والهياكل الإدارية والمعايير والضوابط المرعية في الأداء. وبتفصيل أكثر يمكن إتباع الإجراءات الإدارية الآتية:
اعتماد آلية الانتخابات الدورية لاختيار القيادات الإدارية وفق ضوابط من أهمها النزاهة والكفاءة والخبرة والإخلاص والتجربة، وتحت إشراف لجان تشكل بصورة شفافة ومحايدة لمتابعة وضمان نزاهة نتائج الانتخابات/ إتباع آلية دقيقة جدا عند اختيار الموظفين لغرض التعيين وإخضاعهم لسلسلة من الاختبارات الأخلاقية للتحقق من قدرتهم على مقاومة المغريات المختلفة قبل تثبيتهم في الوظيفة العامة/ إجراء تنقلات دورية بين الموظفين (كلما أمكن ذلك) بغية تخفيض حالات الرشوة السائدة/ التركيز على معيار الشفافية في الأداء مع تبسيط وسائل العمل وترشيق حلقاته، وتحديد مهل انجاز المعاملات مع اعتماد معايير النزاهة والكفاءة والعدالة عند التعيين والتقييم والترقية/وضع مصنف يتضمن تقسيم الوظائف العامة على وفق طبيعة مهامها إلى فئات ورتب تتطلب من شاغليها مؤهلات ومعارف من مستوى واحد (أي اعتماد معيار الكفاءة والخبرة) / تحديد سلسلة رواتب لكل فئة من الفئات الواردة في المصنف بعد أجراء دراسة مقارنة للوظائف المتشابهة في القطاعين العام والخاص / تشكيل لجان خاصة لوضع نظام متكامل لأداء الموظفين ثم القيام بإجراء تفتيش دوري بين الدوائر والوزارات وأعداد التقارير الخاصة بذلك / التركيز على تحصين الموظف العام ضد انماط الفساد من خلال التوعية الاخلاقية والدينية، وحتى القانونية، المخصصات المالية والمكافئات. تنظيم دورات عدة و دورية للتنبيه من مخاطر الفساد الاداري والتحذير من مغبة الوقوع به، وبيان موقف الشرع والقانون منه / الإصلاح الاجتماعي من خلال توسيع وتطوير قنوات التوعية والتحصين الاخلاقي والقيمي من خطر الفساد لتشمل كل مفاصل وبنى المجتمع بدءا من الاسرة وانتهاء بأكبر حلقة ادارية في الدولة / إشاعة المدركات الأخلاقية والدينية والثقافيةالحضارية بين عموم المواطنين.
3 – إعادة النظر بالقوانين والمؤسسات والآليات المختصة بمعالجة أمور الفساد بكل أنماطه في الدولة على نحو يجعلها اكثر فاعلية واستجابة للمتغيرات والتطورات التي يعتمدها المفسدون في تغطية أنشطتهم الإجرامية ومن ذلك:
تعديل الفقرة (99) من الدستور العراقي النافذ وجعل اختيار رئيس هيئة النزاهة بالانتخاب من بين أفضل القضاة او المختصين بالقانون والمشهود لهم بالنزاهة والعلمية والحياد والكفاءة حيث يقوم جميع منتسبي وزارة العدل ومجلس القضاء ونقابة المحاميين بانتخابه من بين المرشحين لمدة (4) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. على ان يتابع مجلس النواب عمل رئيس هيئة النزاهة ومسائلته حسب الضوابط المرعية في مراقبة الوزير / استحداث هيئة مستقلة للنزاهة بعيدة عن المحاصصة مع تشريع قوانين اكثر شدة في محاسبة المفسدين /فك ارتباط دائرة المفتش العام ضمن كل وزارة عن الالتحاق بكادر الوزارة وجعله يتبع من حيث التعيين والتمويل لهيئة النزاهة / اعتماد اليات المراقبة الدورية والمفاجئة ولجان المتابعة المتعددة لاسيما في مجال التعاقدات والمسائل المالية المختلفة / تكثيف استخدام وسائل المراقبة السرية والالكترونية / انتهاج اسلوب اختراق الشبكات والتركيز على العمل الاستخباري من خلال استزراع مصدر معلومات موثوق ضمن كل قسم في الدوائر الحكومية سواء اكان مجندا من داخل الدائرة نفسها او يتم تعيينه ويتبع بالارتباط مع هيئة النزاهة / اعتماد الية الكمائن المفاجئة للإيقاع بمن تحوم حولهم الشبهات من الموظفين واختبار قدرة باقي الموظفين على مقاومة المغريات / التشدد في عملية انتقاء عناصر هيئة النزاهة ممن تتوافر فيهم كل معايير (التخصص، الكفاءة، الحنكة، النزاهة، والاستقلالية) والاهتمام بإدخالهم في دورات مكثفة ومستمرة للارتقاء بأدائهم وضمان اطلاعهم على ما وصلت إليه التجارب العالمية في مجال المتابعة الرقابة والمحاسبة / تخصيص مكافئة مالية لمن يساعد في تشخيص حالات الفساد داخل الدوائر الحكومية سواء من قبل الموظفين او المراجعين العاديين.
(*) مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
|
|