ماذا بعد إقرار قانون الانتخابات ؟
|
علي محمد البهادلي
بعد مخاض عسير وشد وجذب واحتجاج وتهاتر وصراخ وضجيج إعلامي وتهديد كاد يعرض العملية السياسية برمتها إلى منزلق خطير، لا يعلم مداه إلا الله والراسخون في العلم، أقرَّ مجلس النواب قانون الانتخابات.
إن الاسابيع القليلة الماضية بما شهدته من مشاكل وعقبات رافقت قانون الانتخابات وإقراره حملت في طياتها مخاوف الشعب العراقي من العودة إلى المربع الأول بعد التغيير وحالة الفوضى السياسية والأمنية ؛ لأن المواطن شاهد بأم عينيه، وسمع بأذنيه ما دار في أروقة مجلس النواب أو في الفضائيات، وشخَّص حالة التوتر السياسي الذي بلغ حد الأزمة المستحكمة والمستعصية على الحل، والذي سلَّط الضوء على هشاشة الوضع السياسي وإمكانية استغلاله من قبل بعض الأطراف الدولية والإقليمية للإطاحة بالوضع الجديد، أو على أقل تقدير العودة بنا إلى مرحلة العنف الطائفي الذي أكل الأخضر واليابس، وخلَّف وراءه آلاف الشهداء ومئات الآلاف من الأرامل واليتامى. لكن الأمر الإيجابي الذي خفَّف بعض الشيء من حنق الجماهير على السياسيين هو إقرار القانون..
والآن بعد إقرار القانون يجب أن يُلتَفَت إلى أن الواجب الوطني والمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق النخب السياسية العراقية في هذه المرحلة المهمة من تأريخ العراق هو النظر بعين الجد لترميم الوضع السياسي، فهناك الكثير من التشنجات التي رافقت المشهد السياسي العراقي خلال هذه السنين الست التي ربما كان لبعضها مبرراته الموضوعية، لكن هناك من التشنجات لا تتصف بتلك الصفة، وإنما كانت في أغلب الأحيان مفتعلة يُراد منها تهييج الشارع والاستفادة منه في الدعاية الانتخابية، فيجب على جميع النخب والكتل السياسية أن تلقي بهذه التشنجات في سلة الماضي والسعي من أجل التقارب والتصافح، وإيثار مصلحة الشعب والبلد ونبذ صفة الاستئثار والاستحواذ، فهذا أوان العمل الجاد من أجل إثبات الوطنية والأمانة والمصداقية مع الجماهير .
والشيء الآخر هو التهيؤ لخوض غمار الانتخابات النيابية والاستعداد بشكل جيد ومدروس وهذا يتطلب رسم رؤية واضحة للوضع السياسي والاقتصادي في العراق من خلال تقويم التجربة السابقة وتشخيص الأخطاء والهفوات واستشراف المستقبل وتحديد ما يتطلبه من إعداد وتخطيط لمواجهة المصاعب والمشاكل المحتملة، وعرض ذلك كله في برنامج انتخابي محدد وواضح المعالم وواقعي بعيد عن مثاليات جمهورية إفلاطون والمدينة الفاضلة، وإنما ينبثق من صميم الواقع، كي لا تظهر وعود السياسيين كأنها سراب بقيعة، لأن ذلك ينعكس على ثقة المواطن بهم ومن ثم اختلالها، وهذا ما لا نريده، فالذي يريده الشعب هو أن تكون في البلاد نخب سياسية تتسم بالموضوعية والواقعية والشفافية والنزاهة ؛ كي يستطيع انتخابها لتطبق برنامجها السياسي والاقتصادي على أكمل وجه، مما يؤهلها أن تنال ثقة الجماهير .
|
|