بين القضاء الفرنسي والقضاء العراقي
|
د. كاظم الجنابي
جاك رينيه شيراك سياسي فرنسي لامع ولد في عام 1932 و تقلّد مناصب مرموقة في الدولة الفرنسية منها:
1ـ انتخب لمنصب رئاسة الجمهورية الفرنسية في 1995 وجدّد له في 2002، انتهت رئاسته في عام 2007.
2ـ انتخب عمدة لمدينة باريس لمدة 18 عاما للفترة من عام 1977 الى عام 1995
3ـ تولّى رئاسة وزراء فرنسا مرّتين 1974- 1976 ثم 1986 - 1988
احيل قبل ايام الى محكمة باريس في قضية وظائف وهمية في بلدية باريس عندما كان عمدة للمدينة، حيث اتّهم باختلاس اموال عامة في القضية حيث تمّ دفع رواتب الوظائف الوهمية من قبل مكتب عمدة باريس في فترة تولّيه المنصب. وشمل التحقيق الذي اجرته قاضية التحقيق سيميوني، 35 وظيفة وهمية مفترضة خلال فترة تمتدّ بين 1983 و1998. ورغم أن اسم جاك شيراك ورد في العديد من الدعاوى القضائية، الاّ انّ قضية الموظفين الوهمية هذه هي الوحيدة التي وجّه اليه الاتهام فيها رسميا.
ومن بين المستفيدين المفترضين من هذه الوظائف الوهمية محافظ سابق يشتبه بأنّه استفاد من سائق كانت بلدية باريس تدفع راتبه. وكان شيراك أعلن تحمّله مسؤولية هذه الوظائف التابعة لبلدية باريس، مؤكّداً أنّها كانت ضرورية للمنفعة العامة، ونافياً اي اختلاس للاموال العامة.
مثال واحد من امثلة كثيرة على قوة واهمية النظام القضائي في بلدان العالم المتقدم ونظام العدالة والمساواة الفعال الذي انتج في هذه البلدان، فالقانون يسري ويطبق على الجميع بعيدا عن المنصب والموقع، قوته تكمن في استقلاليته عن كل ماعداه سواء أكانت السياسة أم الاقتصاد او العسكر او غيره, وتكمن قوته كذلك في تلك الحاضنة المجتمعية التي تدافع عنه وتدافع هي عن ممتلكاتها ايضا. رقيّ المجتمعات وتقدمها بحاجة الى درع حافظ لها وهذا هو القضاء المهني المستقل.
لنعد قليلا الى الوراء وبالتحديد مع مطلع القرن العشرين، عندما زار المصري رفاعة رافع الطهطاوي فرنسا وبالذات باريس واقام فيها فترة تقرب من ست سنوات ليطلع على تلك العلوم الراقية لعله ينقل مشاهداته الى بلده، حيث مثل ذلك له صدمة هائلة وبدا يتساءل: كيف يمكن لمجتمعات غير الاسلامية كهذه أن تنتج العدالة والمساواة التي هي اساس رقيها ورفعتها وديمومة تقدمها؟ وانتجت ذلك الرقي الهائل في العلوم المختلفة؟. وهو القائل: أيوجد مثل باريس ديـار/ شموس العلم فيها لاتغيب/ وليل الكفر ليس له صباح /أما هذا وحـقكم عجيب.
في مجتمعاتنا غالبا مايفلت المتّهم من العقاب بل تراه يعود ويتسيّد المواقع المتقدمة في المجتمع لاسباب كثيرة في مقدمتها الحاضنة المجتمعية وسيادة اجواء القبيلة على حياتنا اليومية. القانون يطبق بانتقائية، فالمجتمع ليس تحت خيمة واحدة ولايخضع فيه الناس الى قانون واحد، وان حدث ذلك فهناك الكثير ممّا يميزهم.
ما احوجنا الى قضاء مستقل مهني نزيه، فنجاح القضاء هو نجاح للمجتمع واذا كان قضاؤنا بخير فمجتمعنا بالف خير. فعلى المجتمع ومؤسّسات الدولة جميعا تمكين القضاء من اداء مهمته العظيمة. والسؤال هو متى يتمتع مجتمعنا بقوة القانون العادل؟ ومتى يحترم مجتمعنا القضاء وحكمه؟.
|
|