قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الأمة الإسلامية .. إطار الوحدة الحصين
*العلامة الشيخ نمر باقر النمر
إن التشريع الإسلامي جعل المسلمين كلهم أجمع أمة واحدة، وجعلهم أمام الحكم والقانون والتشريع السماوي سواء؛ لكي يُجَذر روح الوحدة والاتحاد فيما بينهم. ولذلك لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بقيم التفاضل من التقوى والإيمان، والعلم والمعرفة، والجهاد والعمل الصالح، والسبق لفعل الخيرات، والتحلي بالفضائل. وجعل الوحدة والتوافق والانسجام في المنطق العقلي والفكر الإسلامي الأصيل؛ هي الأرضية الخصبة والحرث الحقيقي لغرس بذرة العلاقة الوثيقة، وتكوين الأخُوَّة بين أفراد الإنسان، ومن ثم اجتماعهم واتحادهم تحت مظلة الأمة الواحدة المتحدة. ولذلك ترى من بديهيات وأساسيات التشريع الإسلامي في تأصيل العلاقات بين المجتمع الإيماني هو الحكم بوحدة الأمة الإسلامية، وأخُوَّة المؤمنين. يقول الله سبحانه وتعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"، وقال رسول الله (ص): (المؤمنون إخوة تتكافئ دماؤهم، وهم يد على من سواهم. يسعى بذمتهم أدناهم).
إن الله سبحانه وتعالى جعل الأمة الإسلامية أمة واحدة، وذلك بتأصيل عقيدتها المعرفية بالتوحيد الإلهي الذي يتجلى عملياً في توحيد الربوبية، وسلوكياً في توحيد العبودية لله وحده؛ وأخذ عليهم في ذلك الميثاق؛ ولذلك لا يمكن أن يكون لهذه الوحدة تجلٍّ حقيقي في الواقع الخارجي إلا بإلغاء الأرباب من دون الله؛ وهم السلطات السياسية والدينية والاجتماعية و... التي تُعْبَد بالطاعة من دون الله؛ وبالخصوص حكام الدول الذين يُطاعون بمعصية الله.
لكن هل التزمت الأمة بالميثاق الإلهي وأنها ستكون الواحدة والمتماسكة أمام الأمم الأخرى؟
إنها للأسف استبدلت الذي هو خير بالذي هو أدنى فتفرقت إلى حزبيات ودويلات، يتسلط عليها حكام يتنازعون كراسي الملك العضوض؛ بعد أن اتَّخذتهم الأمة أرباباً متفرقون يطاعون بمعصية الله. وكل هذه الأرباب الجاثمة على صدر الأمة التي تتلذذ وتنتشي حينما تَسْتَعْبِد شعوبَها؛ ولكنها تتحول إلى عبيد حقيرة تَعْبُد ربَها الأعلى، ولكن تبقى هناك أمة مؤمنة تعمل الصالحات لبناء وتشييد وحدة الأمة الإسلامية تحت راية التقوى وحبل الله الذي تجسد في كتاب الله، وعترة النبي (صلى الله عليه وآله) ولن يتمكن أحدٌ من حجب أعمالهم لتوحيد الأمة الإسلامية. يقول الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ * فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ".
إن الجزاء الإلهي للأمة التي انصاعت لحكام الكراسي وخنعت لسلاطين الظلم واستسلمت لطواغيت الجور؛ هو أن الله تعالى أوكلهم إلى أنفسهم وتركهم في غمرة هوى السلطة وانعدام النظام، إلى حين تزأر أسود الكرامة، ويزمجر شلال الشعب هاتفاً بما ينفع الناس من الكرامة والعدالة والحرية والأمن و وحدة الأمة الإسلامية، وهنالك تتزلزل سلطة الأرباب وتفقد تأثيرها السحري بعد نفادها للدنانير والدراهم التي كانت تُعَلِّفُ بها بهائم الأنعام من أشباه البشر من عديمي الضمير وعَبَدَتْ المال والمنصب.
لكن مع كل خداعِ إعلامي، ومع كل عنفوان بطش الإرهاب الطاغوتي لتأسيس شفا جرف هارٍ من الأرباب الذين قطَّعوا أوصال الأمة الإسلامية إلى دويلات مهجَّنة بالوطنية والولاء الوطني؛ تستمر مشكاة نور شمس وحدة الأمة الإسلامية مشرقة كل صباح؛ لتملأ قلوب الصادقين بعزيمة الاستقامة في الإيمان بوحدة الأمة الإسلامية، والتمسك بها والتبشير بمنافعها والتخلّي عن العناوين المزيفة الأخرى للوحدة، وما كان لهؤلاء الصادقين القدرة والقوة للسباحة عكس تيار الأرباب والوطنية والوحدة الوطنية لولا تحلّيهم بخصال التقوى الايمان وحب الخير والرؤية الاسلامية الشاملة التي انغرست في أعماق قلوبهم.
إن المؤمنين حقاً هم الذين يتخذون وحي السماء عقيدة لهم ومرجعية لجميع شؤون حياتهم، ويتخذون وحدة الأمة الإسلامية بما تحويه من منظومة فكرية متكاملة مستوحاة من السماء حصناً لكيانهم، ومصدراً لعزتهم؛ ولكن أعداء الرسالة لن يَدَعُوا المؤمنين وشأنهم؛ وإنما سيتكالبون لضرب مصدر القوة عبر تركيز ثقلهم في تفريق الأمة الإسلامية، وتقطيع أوصالها؛ مما يؤدي إلى النزاع والشقاق فيما بينهم، وذلك لإطفاء نور الرسالة. ولكي نُفْشِل مسعى الأعداء في تفريق الأمة يجب على المؤمنين في الصراع ومواجهة الأعداء بالالتزام بالمنهج التالي:
1. الثبات والصمود في المواجهة والصراع أمام الأعداء، وعدم التراجع أو التردد في الاعتقاد بقيم السماء، أو ضرورة وحدة الأمة.
2- أن تكون ثقافة السماء حاضرة في الأذهان تُردِّدها الألسن وتُطَبِّقها الجوارح .
3- الإيمان بقيم السماء؛ ومنها وحدة الأمة الإسلامية؛ والكفر بقيم الطاغوت الذي أختلق الانتماءات الضيقة مثل (الوطنية) كلباس خاص به يُفصَّل دائماً على مقاسه.
4- يجب أن تكون الطاعة للقيادة الرسالية التي تلتزم وحي السماء، وتفكر وتقرر من أفق وحدة الأمة الإسلامية؛ وليس لقيادة الطاغوت التي تعبد الهوى، وتفكر وتقرر من محورية تسلطها على كرسي الحكم.
5- عدم التنازع في قيم السماء؛ ومنها وحدة الأمة الإسلامية التي لا يجوز التنازع في قيمتها الاجتماعية وشرعيتها الدينية وضرورتها الرسالية ومحوريتها لبناء القوة الضاربة والمكنة المنتجة والقدرة المبدعة؛ وعدم التنازع في قيادة الرسالة التي تتحرك من أفق وحدة الأمة الإسلامية؛ حيث تتجاوز ضيق التفكير المحلي المتقوقع إلى رحاب التفكير الأممي المتسع؛ لأن التنازع في القيم السماوية أو القيادة الرسالية؛ يؤدي إلى الفشل في تحقيق الأهداف المشروعة، والتطلعات السامية؛ ومن ثم ذهاب القوة والقدرة والمكنة.
6- الصبر على طريق ذات الشوكة دفاعاً عن وحي السماء، و وحدة الأمة الإسلامية.
7- عدم الاغترار بأهل البطر والغرور بالإمكانات المادية التي اقتطعت من ثروات الأمة الإسلامية.
8- تجاهل المنافقين وأصحاب القلوب المريضة الذين يستصغرون قُدْرَة المجاهدين الذين يتمسكون بوحي السماء، و وحدة الأمة الإسلامية.
11- التوكل على الله لتحقيق العزة للمسلمين بوحدة الأمة الإسلامية، والحكمة في رؤانا ومواقفنا بمنهج وحي السماء.
يقول الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ "
إن الوحدة في العقيدة الإيمانية هي التي توحد الأصول للتفكير والفكر والسلوك؛ وهي القادرة على جمع أفراد الإنسان، وإيجاد العلاقة الوحدوية بينهم؛ وليس وحدة اللسان، ولا وحدة الوطن، ولا وحدة العنصر، ولا غير ذلك من وحدات قسرية أو مصطنعة، ولذلك شرَّع الإسلام وأكد على وحدة الأمة الإسلامية، وأخوَّة المؤمنين بما هم مؤمنون؛ ولا يرى للامتيازات الظاهرية والمؤقتة الأخرى من الجنس واللغة واللون والحدود الجغرافية و... غير ذلك، قيمة أو شأناً توجب فضيلة أو ميزة للإنسان في قبال الفضائل الروحية المكتسبة. وعلى قمة هرم الفضائل فضيلة الإيمان والتقوى. يقول الله سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".