بصائر... قبسات من رؤى ومحاضرات سَمَاحَة المَرجِعِ الدّيني آيةِ اللهِ العُظمى السّيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسِي
في ظل التجربة الديمقراطية الجديدة..
|
من خلال "أشداء على الكفار رحماء بينهم" يتقدم العراق
إعداد / بشير عباس
لماذا ذكر نبينا الأكرم (ص) إن فلسفة بعثته وحكمة رسالته تتلخص في مكارم الأخلاق حينما قال "إنما بعثت لإتمم مكارم الأخلاق"؟ ولماذا يصف ربنا النبي الأكرم (ص) بأروع وأسمى الصفات فيقول "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"؟ ولماذا قالوا بأن أخلاق النبي (ص) هي التي بنت الأمة الإسلامية؟ أو ليس النبي بُعث رحمة للعالمين؟ حيث قال ربنا "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".
ونحن نعيش ذكرى ميلاده (ص) وميلاد مجدد رسالته الإمام جعفر ابن محمد الصادق (ع)، لابد أن نتسائل كيف نستقي من هذا الرافد الأخلاقي العظيم؟ وكيف نبني مجتمعنا بأخلاق النبي وبآدابه وبنهجه ونحن أمة ظمأى، والنبي ذلك الرافد الرقراق الفرات، أو يمكن أن يعتبر الانسان الظمآن بشيء وهو يعيش على شاطئ الفرات؟
إن كل ما نحتاجه في تطوير أنفسنا وفي تحدي مشاكلنا وفي تكامل مجتمعنا، موجود عند رسول الله (ص) في كتاب أنزله الله عليه وهو القرآن المجيد، بعثه الله عليه، وكذلك في سيرة وضاءة ليس لنا وحسب نظراً الى أنه هو الذي وضع قواعد الدولة الإسلامية وأسس هذه الأمة، وإنما لجميع البشرية فهو يُعد المؤسس للحضارة للبشرية جمعاء، حينما بُعث النبي الأكرم (ص) بدأت نفحات الرحمة التكاملية تنساب للبشر لتدفعها نحو السمو والتقدم، وهو الأمر الذي يدعونا للعودة إليه.
*تزكية النفس أولاً
ونحن في العراق أحوج ما نكون الى سيرة النبي الأكرم (ص)، والسبب في كل ذلك إن الأمم إذا لم تعش الأخلاق تفتت وتشتت وتحولت الى رذاذ وتحولت الى هباءً منثورا، فالأمة إنما تتوحد وإنما تتكامل بالأخلاق ولذلك النبي (ص) جاء مكملاً لرسالات الأنبياء السابقين والخاتم لتلك الرسالات وتكميل الرسالات بالأخلاق لأن الأخلاق الحسنة هي في الحقيقة قمة الحضارة ولذلك جاء في الحديث الشريف: (يُغفر لكل مذنب إلاّ من يسئ الأخلاق فأنه لا يغفر له لانه لايخرج من ذنب إلاّ ويدخل في ذنب آخر). إن سيئ الأخلاق مثل الشجرة الخبيثة، مهما قطعت فإنها تنبت مرة أخرى مثيل لها، وإذا كان العود أعوجاً أيضاً لن ينفعه التقويم والتعديل، لأن المشكلة تقع في الجذور، من هنا أُمرنا أن نزكي أنفسنا، وهذه الدعوة ليست من بناة أفكار الانسان، إنما هو كلام البارئ عز وجلّ في صفة النبي (ص) عندما يقول: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ"، والتزكية هنا ليست في جانبها المادي، مثل تنظيف الشوارع والبيوت، إنما التزكية للقلوب، نقرأ في الآية الكريمة من سورة (الشمس): "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا"، إذن، لابد للنفس البشرية أن تتزكى، لأنها محط الشيطان ومزرعة الهوى ومنطلق الوساوس الخبيثة.
هذا ما تفعله النفس الأمارة بالسوء، لكن ماذا عن الأعمال الصالحة؟ إن العمل الصالح إنما يأتي من نفس صالحة ومن قلب نظيف وربنا يقول: "وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً"، فالقلب لا بد أن يكون صالحاً طاهراً ومن أجل ذلك جاء الأمر الإلهي بأولوية تطهير الذات والقلوب "وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ"، فأولاً: التزكية، ثانياً: الأعمال التي ستكون صالحة بالضرورة، بينما الأعمال التي لا تقوم على تزكية القلب ولاتنطلق من نية طيبة صالحة فإنها تكون بمنزلة البناء الذي يقوم على قاعدة متزلزلة، كلما ارتفع الى الأعلى، كان احتمال سقوطه وانهياره أكبر.
*سلاح الأخلاق فتح الحصون
لقد اهتم الإسلام أيما اهتمام بمسألة الأخلاق، وهذا ما نلاحظه من الصفوة من أصحاب رسول الله (ص) الذين تربوا على يديه الكريمتين، فقد زكّى النبي (ص) قلوبهم وطهرها، فيما كانت مجموعة منهم يعيشون في قسوة الصحراء وفي قسوة الظروف الإجتماعية ولذلك كانت نفوسهم قاسية.
ذات يوم وفيما كان النبي (ص) يقبّل أحد أحفاده، جاءه رجل وقال: يارسول الله عندي أحد عشر طفلاً ولم أقبل أياً منهم أبداً!! فقال له النبي (ص): إذا جعل الله قلبك قاسياًَ ماذا أفعل لك؟!
هنا السؤال: كيف تمكن الرسول الأكرم (ص) من تغيير ذلك المجتمع القاسي والعنيف؟ الجواب هو القلب والخلق الفاضل، وعن هذا يحدثنا القرآن الكريم: "وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ"، فالقلب الليّن والرحمة والمحبة هي التي غيرت الكثير من هؤلاء الذين كانوا يئدون بناتهم، وكانوا يقولون: (نعم الصهر القبر)! أي خير شيء للبنت أن تذهب الى قبرها، فتحولوا الى نماذج سامية ومثالية للأخلاق، بحيث يقول عنهم القرآن الكريم "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
في إحدى غزوات النبي الأكرم (ص) جاء رجل وقال يا رسول الله عشرة من أصحابنا جرحى وقد سقطوا على الأرض في طرف المعركة وهم عطشى و يلفظون الأنفاس الأخيرة من حياتهم، فهل تأذن لي بأن أحمل إليهم الماء لاسقيهم؟ قال رسول الله (ص): نِعمَ ما تفعل، فحمل ذلك الرجل مقداراً من الماء وجاء الى الأول وتكلّم معه وهو شبه مغمىً عليه وفي آخر لحظات حياته فقال له: اشرب هذا الماء، فقال له أذهب الى صاحبي الساقط هناك اسقه أولاً ثم عُد إليّ، فذهب الى ذلك الشخص الثاني فقال له: هذا الجريح اسقه الماء ربما يكون أشرف على الموت، وحصل هذا مع الثالث والرابع حتى وصل الى العاشر فأرجعه العاشر الى الأول فوجد الأول قد فارق الحياة! والثاني أيضاً والثالث وحتى العاشر كلهم ماتوا عطاشى دون أن يذوق أحدهم الماء!
ومن هؤلاء الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ذلك الرجل الصدوق الذي قال عنه الرسول الأكرم (ص): (ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر)، وفي إحدى غزوات الرسول الأكرم تأخر أبو ذر عن ركب رسول الله، فبقي وحيداً في الحصراء القاحلة وتحت أشعة الشمس الحارقة وهو يطوي البيداء حافياً على تلك الرمال الملتهبة، فألمّ به العطش، فوفقه الله سبحانه وتعالى أن وجد ماءاً رقراقاً في مكان ما، فأخذ مقداراً من الماء في إناء كان معه وقال: إن الماء باردٌ ويبدو صافياً ولذيذاً، لكني لا أتذوقه إلا بعد أن يرتوي منه رسول الله (ص)، فأخذ الماء وبدأ يركض وراء ركب النبي حتى لحق به فرآه النبي (ص) من بعيد وهو يلهث والعرق يتصبب من جبينه وهو يحمل إناء الماء فقال (ص) لأصحابه: استقبلوا صاحبكم، هذا مؤثر على نفسه، فجاء وقدم الماء الى رسول الله (ص) فشرب منه الرسول ثم شرب منه (أبو ذر).
إن هذا المنهج الأخلاقي العظيم هو الذي مكّن المسلمين من أن يكونوا يداً واحدة وقوة متماسكة في العهود الأولى من التاريخ الإسلامي. يحدثنا التاريخ أن المسلمين في عهد الخليفة الثاني حاصروا إحدى القلاع المنيعة للأعداء، وطالت فترة الحصار واستمرت الحرب لمدة شهر كامل، دون أن ينزل أهل القرية على حكم الاسلام، وإذا بشخص من أهل القلعة نفسها كان مع المسلمين وكان عبداً لهم، فأخذ رقعة وكتب عليها كلاماً وربطها بسهم وأطلقه الى داخل تلك القلعة، فأخذ أهل القرية الرسالة ووجدوا أن الكاتب هو العبد الذي ينتمي إليهم، أما الرسالة: فكانت: (أنتم في أمان الله وأمان رسوله إذا تركتم القلعة ودخلتم معنا)، وإذا في اليوم الثاني يرى المسلمون أن أهل القلعة بدأوا بالنزول من قلعتهم ويفتحون الأبواب، فجاؤوا لهم وقالوا: ما الذي جعلكم تفعلون هذا بدون حرب؟ فقالوا: أنتم كتبتم لنا، فقال لهم المسلمون: من كتب لكم؟ فقال ذلك العبد: أنا كتبت لهم وهذه ورقتي للأمان فاختلفوا فيما بينهم وقالوا: إذا مسلم يكتب للآخرين بكتاب عهد فهذه الكتابة مقبولة، لكن هذا الشخص عبدٌ ولا ندري إذا كانت كتابته مقبولة أم لا؟! فكتبوا الى الخليفة، والخليفة بدوره نقل السؤال الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال له الإمام (ع): لافرق بين العبد والحر، إذا أعطى واحداً من المسلمين عهداً للكفار، فالكفار في أمان الله وأمان رسوله، وحسب قول رسول الله (ص) في كلمة له رائعة: (يسعى بذمتهم أدناهم)، فكتب الخليفة الى قائد الجيش أنهم في أمان، ولما رأى أولئك هذه الأريحية والروح الرياضية كما نسميها اليوم، دخلوا بأجمعهم في الإسلام بفضل الخُلق الإسلامي العظيم.
إن المسلمين الأوائل لم يفتحوا البلاد بقوة السلاح بل فتحوها بكرمهم وأريحيتهم وبأخلاقهم الحسنة، هذه الأخلاق الحسنة هي ضالتنا اليوم، لاسيما في العراق وتحديداً في أجواء الحملة الإنتخابية وما يعقبها، وهي أجواء تتسم بالسخونة والحيوية حيث التنافس على الفوز والتقدم على الآخرين، وعندما نفتقد الأخلاق يكون التهافت والتشهير والكلام الجارح هو سيد الموقف، بينما الصحيح هو أن يدخل المرشح نظيفاً ويخرج منها نظيفاً، ربما يتحدث البعض عن الأجواء الإنتخابية في الغرب، وأن التهافت وتبادل الإتهامات والتشهير من مفردات العملية الديمقراطية، إلا أن الحق يقال، بأن أخلاق المسلمين وشيمهم تأبى للمسلم التجاوز على أخيه المسلم وتمزيقه، أما الديمقراطية الغربية فهي تتلاءم وتنسجم مع أجواء المجتمعات الغربية، ولا شأن لنا بها، فنحن كمسلمين لا يجوز لنا أن نفعل ذلك لأن ربنا سبحانه وتعالى يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بعد الإيمان".
*الإنتخابات اختبار الأخلاق
ومن المثير حقاً أن نرى أناساً طيبين يحبون بعضهم البعض، لكنهم تحولوا أيام الإنتخابات الى شيء آخر، في حين يجب علينا أن نبني بلدنا على أساس أخلاق نبينا الأكرم (ص) وعلى أساس المحبة و الرحمة، فما أجمل التنازل للآخر والتواضع له؟ إنه من أبرز صفات المسلمين الأوائل الذين حملوا الحضارة الإسلامية على أكتافهم وأوصلوها إلينا، رغم أن المسلمين فيما بعد فرطوا أيّما تفريط بهذه الحضارة، فبإمكان المرشح الذي يفوز في الإنتخابات، أن يزور المرشحين الآخرين في نفس القائمة، ويقول لهم: أنا منكم وفيكم وإليكم، إن كنتم تحتاجون شيئاً فأنا حاضر لتلبيته، كما حاضر لأن استشيركم في الأمور وأنتم تأمروني وأنا واحد منكم، إذ ربما يكون هناك مرشحون آخرون أفضل وأحسن من المرشح الفائز، لكن بفضل سياقات معينة فاز ذلك المرشح، ونفس الحالة بالنسبة للمرشح الذي لم يحصل على الأصوات الكافية للفوز بمقعد في مجلس النواب، بإمكانه زيارة المرشح الفائز وتهنئته والاعلان عن استعداده بانه مستعد للمساندة وفي خدمتك... وغير ذلك من عبارات التآخي والتعاضد.
إن منهج التعاون والعمل المشترك هو الذي يبني الوطن، وما نحن بصدده ليس بناء كوخٍ صغير أو بناية واحدة أو مدينة واحدة، إنما إعادة بناء وطن قد هدّم، فالأزمات متعددة والمشاكل كثيرة ومتكالبة على المسؤولين والوزراء وأيضاً على أبناء الشعب العراقي، وهذه التراكمات لا يمكن رفعها إلا بهبّة واحدة كما يحصل في أربعينية الإمام الحسين (ع)، حيث تتشكل صورة رائعة من العمل المشترك والروح الكبيرة والتعاون، فإذا لم نعمل بهذه الصورة سوف نتخلف، لأن الذي فعله الطاغية ليس بالأمر البسيط، فقد خلفنا ثلاث حروب واحتلال وتدمير وإرهاب، واليوم إذا لا يتمكن النظام البائد من فعل شيء فان أذنابه يقومون بدور المخرّب في الحياة الجديدة.
إذن، نحن في وضع بحاجة فيه الى أن نعمل معاً، ولكي نعمل معاً فيجب أن نكون أحباء رحماء فيما بيننا، وبالنتيجية أن نكون على مستوى عالٍ من الأخلاق.
وربما يسأل الكثير عن أصل الأخلاق؟ وما هي القاعدة الأساسية في تزكية النفس؟
من خلال قراءة متأنية لسورة (الفتح) يمكننا استلهام الجواب، ففي بداية هذه السورة يقول ربنا سبحانه وتعالى: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً* وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً"، فهذه تطلعات وأهداف حسنة: الفتح والمغفرة واكمال النعمة والهداية والنصر، إنها خمسة أهداف، وهذه بداية السورة، أما في نهايتها، والتي هي تكملة لبداية السورة وبيان له، يقول ربنا تعالى: "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ..."، هذا التعريف يدل على أن المقصود بالتعريف ليس شخص النبي الأكرم وحسب، إنما الخلق العظيم ورسول الله ذلك الأفق الواسع، وكلما كانت محبتنا الى رسول الله أكثر كلما كان إتباعنا له أيسر وأفضل، فقد كان رسول الله وراء حجب النور أربعة عشر ألف سنة، وهي تعني نور العلم والقدرة والإرادة والعزة والكبرياء والعظمة و... و... غيرها، فقد اخترق تلك الحجب ووقف وراء حجاب نور العزة مثلاً ألف سنة وهو يقول: لا إله إلا الله ألف سنة وهو يسبح الى أن دخل في المرحلة التالية ومن ثم منها الى المرحلة الأخرى حتى صار قاب قوسين من ربه أو أدنى، وهو شيء لا يُتصور، لذا يقول رب العزة وخالق هذه المجرات والكون: "فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى"، وهذا التصوير والتمثيل يعود الى القوس الذي كان الناس يحاربون به في العهود الماضية، لكن عندما يكون الطرفان مسالمان، فيكون القوس مقارباً للقوس الآخر، و ربنا يقول: قاب قوسين من ربه ومن ثم يقول: "فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى"، فهذا كان رسول الله، دعنا نتكلم عمن كان مع رسول الله والذين تربوا على يديه ودخلوا مدرسة الأخلاق المحمدية، فما هي صفاتهم؟ يقول ربنا سبحانه وتعالى: "وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ".
إن عند الانسان قوتين: قوة النفي وقوة الإثبات، قوة العداوة وقوة المحبة، أو قوة الذات وقوة الآخر، وفي بعض الأحيان لا يعرف كيف يتصرف فيجعل قوة النفي مع الصديق وقوة الإثبات مع العدو، أما المؤمن فلا يكون كذلك قطعاً، فالقوة الأولى التي هي قوة النفي يجعلها للكفار أما قوة الإثبات فيجعلها مع المؤمنين، و"أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ" ليس بالضرورة أن يقف المؤمن أمام الآخر ويحاربه، ولكن أن يكون شديداً معه، بأن يظهر قوته وعزته وإمكاناته، لكن عندما يأتي مع المؤمنين يكون رحيماً معهم، ومن جهة أخرى "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ"، فيجعل نفسه ذليلاً عندما يرى مؤمناً، وهذه الصفة التي يجب أن تسود في عراق اليوم، ليكون الجميع في العراق دون أستثناء من الرئيس الى المرؤوس، ومن السيد الى العبد ومن الفقير الى الغني، الجميع تكون لديهم صفة الذلة عند بعضهم، فإذا استطعنا أن نصل الى هذه النقطة الحساسة نتمكن من أن نجتمع ونكون قوة هائلة ولا نبتعد عن بعضنا ولن تذهب حقوقنا مع العلم بأن حقوقنا قد ذهبت، فدعونا نسترد بعضها ولا يمكننا استردادها إلا بالقوة والقوة لا تكون إلا بالوحدة والوحدة لا تكون إلا على أساس الخلق الفاضل لذلك يقول النبي (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وإذا وصلنا الى مكارم الأخلاق فإننا نستطيع أن ننبعث من جديد.
وكلمة لابد منها:
إن من يكسب الأصوات الكافية لوصوله الى مجلس النواب ويجلس على مقعد البرلمان، عليه أن يعرف أنه كل نائب يمثل العراق كله، ولا يمثل جماعته فقط، صحيح إن جماعته وأهل مدينته هم الذين انتخبوه ولكن إنما انتخبوه لكي يمثل الشعب العراقي ويدافع عن عزة العراق وتقدمه وسائر أموره، والذي لم يفز عليه أن لا ينسحب لأن مجال الخدمة ليس فقط في البرلمان، بل هنالك عشرات المجالات ينبغي خوضها والسعي للعطاء والإيثار خدمة لهذا الشعب ولهذا البلد وللأجيال القادمة.
|
|